جمهورية الخمينى .. فخر الإسلام السياسي

لا زلت ارى ان الإسلام كأيديولوجيا سياسية معاصرة لم ينتج جديدا إلا  مع نظام الجمهورية الإسلامية فى ايران ، وإنها كانت الحالة المبتكرة لحكم إسلامى معاصر من حيث ابتداع نظرية جديدة فى الحكم وهى ولاية الفقية ،  وهى النظرية التى لها أساس  نظري وأدبيات محددة  تتمثل فى كتاب الحكومة الإسلامية لروح الله خمينى ، ومن حيث كونها المحاولة الأكثر أمانة وجدية فى تحويل الإسلام  كأيديولوجيا سياسية الى صيغة  جمهورية ، وهو ليس بالأمر السهل على الإطلاق ولاتزال محاولة متعثرة إلى الاَن فى ظنى .

بالطبع دول العالم الإسلامى المعاصرة كلها إسلامية البنية والتكوين والروح وصفها بالعلمانية  هو محض استهبال وتدليس من الصحوة الأسلامية السنية فى السبعينيات ، الدول المعاصرة هى إسلامية لأن كل عمليات تأسيسها  المختلفة أختطت نفسها من وراثة  لتقاليد الحكم الإسلامى الراسخ و التى أربكتها قليلا إعلان الجمهوريات العسكرية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية ، ربما تكون تركيا وتونس استثناءات تحتاج نظرة منفصلة قليلا ، الدولة المعاصرة و المسماة حديثة  ومدنية ما هى إلا دولة أسستها التقليد الإسلامى السلطانى فى الحكم ، الوهابية فى السعودية هى صانعة ” الحداثة ” ، وأمير المؤمنين فى المغرب هو عراب التغريب ، وجمهورية المادة الثانية فى مصر هى عنوان العلمانية عند علمانييها ، تلك الدولة التى كان نشيدها الوطنى فى عهدها الليبرالى السعيد تحت تاج مليكها فؤاد الأول ف يقول بفخر أن مصر فى القلب تأتى بعد الدين دين .

لكن الجمهورية الإسلامية فى ايران هى ابتداع وتأسيس للحكم الإسلامى بعد أن فارق المجتمع الإيرانى قليلا هذا الشكل من الحكم وتأسست طبقته الوسطى على اسس ثقافية علمانية سلطوية ، وبالتالى فقد كان نوعا ما حكم للجديد وليس وراثة التقليد ، وهو لأنه أبن لثورته الشعبية المظفرة فكانت الغشامة والقسوة فى تطبيق تصوراته السيدة والإستبدادية أضعاف أضعاف اى تصور درامى لأى حكم إسلامى أخر معاصر   ، يستدعى البعض صور طالبان فى أفغانستان او داعش فى العراق وسوريا كعناوين للرعب ناسين أن هذا رعب هذه التجارب هو منتج على هامش حرب أهلية مرعبة جدا من الأصل وما كان فعلا  إلا إدارة لتوحش حاصل بالفعل يريد إثبات سيادته فى مجتمعات تتفكك بشكل كامل، اما ايران فقد كان عالم حكمها الإسلامى شديد القسوة بين اعوام 1980 – 1990 هوأبن لمشروع يسعى لهندسة مجتمع  حديث موجود بالفعل ويتمتع بالحيوية وبقدر واضح من التماسك ، بمعنى أخر كان نموذجا لتأسيس شكله هو وتصوراته هو عن الإجتماع وليس محض محاولة لفرض السيادة على أوصال مفككة .

الكوابيس الحقيقة للاستبداد الإسلامى كانت فى ايران فى حق المرأة وفى حق الأطفال وفى حق الحرية وفى حق الأفكار وفى حق الأقليات ، ولم تمتلك حركات الإسلام السياسى السنى وقتها الا التصفيق والإعجاب بالرغم من الإحن المذهبية ، قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية فى إيران كانت علة وجود الإسلام السياسى فى المنطقة هى فقط محاربة “المظاهر” غير الإسلامية داخل الدولة الإسلامية المعاصرة ، ولكن بعدها اصبح للمشروع  الإسلامى  درع وسيف ولحم ودم.

ليس مطلوب أكثر من تذكر نظرة تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية لإيران الثورة فى بداياتها وكيف كان الإعجاب طاغ  ومعلن، وأتذكر اننى قرأت فى منتصف التسعينيات كتيب صغير لفتحى عبد العزيز وهو كان احد الكتاب السياسيين النادرين المعبرين عن مزاج الجهاد والجماعة فى وقت تأسيسهم كان عنوانه ” الخومينى – الحل الإسلامى والبديل ” ، وفتحى عبد العزيز هو ذات فتحى الشقاقى الذى أسس تنظيم الجهاد الإسلامى الفلسطينى لاحقا ، ولم يُظهر فى هذا الكتيب إلا الإعجاب الشديد بالتجربة الإيرانية والحث على ضرورة الاسترشاد بها ، وحتى  تاريخه لايزال الغموض والالتباس هما عنوان علاقة الجمهورية الإسلامية بالإسلام السنى الجهادى طوال الثمانينات وحتى اواخر التسعينيات ربما  وقتما لم يكن للنزعات المذهبية كلمة عليا على المشهد السياسى الإسلامى.

صحيح ان السعودية وقبلها العراق اطلقا العنان بسرعة للحملة ضد الجمهورية الإسلامية مرة باسم القومية العربية فى العراق ومرة باسم المذهبية السنية فى حالة السعودية وذلك بغية تكوين حائط صد سريع ضد المد الخومينى ، وظنى ان السعودية نجحت فى ذلك حتى انها خلقت ودعمت  تيارا واسعا فى المنطقة ليس فى تلافيف دماغه الا اولوية محاربة  الشيعة الروافض ، لكن هذا لا يمنع أن فى بداية التجرية كان الإفتتان الإسلامى الإسلامى بالتجربة الإيرانية واضحا ، ولم ينضم الإخوان المسلمين مثلا لقطار معاداة إيران مذهبيا الا فى أواخر العقد الأول من الألفية وبتحفظ شديد جدا ، وما تزال علاقة حركة حماس الفلسطينية  بالجمهورية الإسلامية تشهد بذلك .

كشيوعى من العالم العربى كان ولا يزال عدائى الشخصى لإسلامية الملكيات وشبه الجمهوريات العربية التى تقتل الجمهور مرده هو كراهيتى لتقليدهم ولتراثهم الإسلامى الرجعى القديم  ذو الطابع الإقطاعى وشبه العبودى ، المتخلف والإستبدادى والنافى لمعنى الشعب والجمهور وسيادته على مصيره ، و الذى يزينونه تاره بالكذب العلمانى ” الحداثى ” لحماية ترف حياة برجوازياتهم وتاره زورا بإسم بمحاربة الإستعمار ليخلقوا جدلا وهميا عن عدم غير موجود ، اما عدائى الشخصى للجمهورية الإسلامية فى إيران فهو فى الحقيقة عداء أكثر إحتراما واكثر يقظة و رهبة .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

لا زلت ارى ان الإسلام كأيديولوجيا سياسية معاصرة لم ينتج جديدا إلا  مع نظام الجمهورية الإسلامية فى ايران ، وإنها كانت الحالة المبتكرة لحكم إسلامى معاصر من حيث ابتداع نظرية جديدة فى الحكم وهى ولاية الفقية ،  وهى النظرية التى لها أساس  نظري وأدبيات محددة  تتمثل فى كتاب الحكومة الإسلامية لروح الله خمينى ، ومن…

أترك تعليق