فيلم ريش .. كوابيس طفل ولد فى الثمانينات

توطئة رقم 1:   قررت أكتب بوست طويل مش مقال لأن البوستات ممكن توصل أسرع للناس والمواقع محجوبة وانا يهمنى التفاعل اكتر من التوثيق  وأحب أضيف ان النحو بتاعى غلط عادى يعنى لأنه بوست .

توطئة رقم 2 :   المجتمع فى مصر والسينما فى قلبه ، لم يعد لهما قلب ، قلب بمعنى احشاء داخلية ومتن بشكل يسمح برسم صور مطمئنة واثقة عن ماهو تيار رئيسى او حالة عامة يدور ما عداها فى فلكها ومداراتها مهما ابتعدوا عن مركز ” التصور ” المهيمن هذا ، المجتمع تفكك إلى جزر اجتماعية لا تتلاقى وترتعب من التلاقى ، عبرت سينما ما بين 2000 الى 2011 عن شريحة متوسطة وعليا من الطبقة الوسطى المدينية وسماء زرقاء وقاهرة بلا تلوث وامل فى الترقى الاجتماعى المحافظ ، هذا العالم أنتهى وبالتالى انتهت السينما التى عبرت عنه .. وداعا أحمد حلمى لقد كان حضورك لطيفا بالفعل .

سينما الان رديئة وصناعتها محدودة ودورتها المالية مشبوهة وتجاريتها مشكوك فيها ، والحالة انحطاط عام وتيه شديد ، الوضع يسمح اذن بالتجريب ، وخير التجريب هو اكثره تطرفا خاصة فى هذه الأيام، لأن فى حال نجاحه قد يرسم معالم لطعوم سينمائية جديدة ، تنهض من تحت الخرائب والأنقاض ، اللحظة الحالية لحظة مناسبة لأنها متحررة من السلطات المعنوية والرمزية والأيديولوجية ومعاناتها الأبرز هى مع السلطة الأمنية وحدود خيالها المحدود المسكين وهذه معاناة بالرغم من كل شيء اقل وطأة على خيال الفنان فأصحاب القبضة بسطاء العقول وتفه مهما امتلكوا من عصى غليظة و بشكل يجعل معادلات القهر واضحة ويمكن التعامل معها ، وفى كل ألأحوال أى غبى معاصر قد يتهم هذه الطعوم المختلفة من سينما جديدة بالغرابة او عدم ” الالتحام بالناس ” يمكن الرد عليه بأشاره أمينة لذراع مفتوح نحو قاعة سينما تعرض فيلم الممر4 والاختيار 8 ، وليتوقف النقاش ، ويا نحلة لا تقرصينى ولا عايز عسلك ، ولنتقابل بعد عشرة أعوام .

توطئة رقم 3 : هذا ليس نقدا سينمائى فأنا غير متخصص وكتابتى ليست الا انعكاس ذاتى جدا لشخص من الجمهور له ذائقة سينمائية ما.

 * * * * * *

أما عن فيلم ريش نفسه و بدون حرق احداثه قدر الإمكان !!

يمكن اعتبار الفيلم استدعاء أطياف كابوسية من ذاكرة طفولة انسان مابين منتصف ثلاثيناته ومنتصف اربعينياته .

الفيلم من المفترض أنه لا يحدد زمان أو مكان .. لكن انعكاس رؤيتى الشخصية تحدد الزمان كلحظة بين منتصف الثمانينات وبداية التسعينيات والمكان هو احد احياء الطبقة العاملة الصناعية على اطراف القاهرة ، ربما المعصرة او طرة الأسمنت أو وادى حوف .. يمكن بهذه الطريقة حل الإشكال مع الشاويش شريف منير ومع الرائد المقدم الذى كلفه .

الفيلم ليس عن المهمشين ، الفيلم عن الطبقة العاملة ،وعن قصة غياب العامل الصناعى العائل الذى تحاول امرأته الحلول مكانه فى المصنع فتصطدم برفض الشركة عمل النساء فتضطر لتشغيل الأبن الطفل الذى لم يتجاوز السابعة مكان والده كأنتصار مؤقت .. وهو لايصف الفقر ، هو يصف البؤس فى مكامنه المختلفة والاجتماعى ليس الا واحد منه ، انما لو كان الحديث حديثا عن الفقر ، فبمعايير ما بدا لى زمنا للفيلم فشخوصه ليسوا فى قاع المجتمع بالمرة ، يعيشون فى مساكن وبلوكات عمالية وشقق حجرتين وصالة ولديهم تلفزيون وتلاجه متهالكة وغسالة غير اوتوماتيكية كعادة تلك الأيام .. ويحتفلون بأعياد الميلاد ويأكلون الجاتوه أحيانا .. هذا ليس فقرا فى مصر يا شريف بيه المهجن تركيا ذو العيون الملونة .. هذا ليس فقرا يا سيادة الظابط المسؤول عن خيالنا البصرى .

شخوص الفيلم بلا أسماء وبلا اديان وبلا أصوات الا بالحدود الدنيا للوجود الأنسانى التعيس .

هذا الفيلم شأنه شأن اى فيلم ينحاز للتقدم يكترث بالمرأة وبوجودها وبالشكل اللائق والعميق وبدون اى ابتذال طبقى او خطابى ويشاركه فى ذلك فيلم سعاد الممتاز لأيتن أمين .

هذا الفيلم يشتبك بعنف مع الأساطير الميثولوجية المؤسسة سواء الأسطورة الاوزيرية كمعنى أو المسيحية كصورة ، أكرر مرة اخرى ان هذا هو انعكاس رؤية محمد نعيم وليس عمر الزهيرى بالضرورة ، لكن ما أعرفه عن السينما الجيدة هو أنها يصرياتها تسمح للمتلقى بخطف ما يراه ليعجنه بهموم رأسه ووجدانه هو .

حتى الثلث الثالث للفيلم كنت أقول لنفسى هذا فيلم ممتاز ولكن ليس لدرجة الفوز بجائزة النقاد فى مهرجان كان ، وفى هذه اللحظة رأيت واحد من أعظم مشاهد السينما على الأطلاق واقساها واكثرها محلية فى أن واحد .. اوزوريس – المسيح على مذبح فرارجى ، لا ليذبح بل ليتم تغسيله حيا – اسف حرقت المشهد !! –  بعد هذا المشهد بدأت اتفهم دوافع تمكين الفيلم من افوز بهذه الجائزة المهمة فى مهرجان كان والأكثر اسباب فوز الفيلم فى مهرجانات صينية ، لأن الصينين يمتلكون من القسوة والوضوح ما يجعلهم يقدرون ما رأيت .

شعرت بالمخرج معلقا صوتيا على الفيلم من خلال الموسيقى المنتقاه لتصاحب المشاهد ، تعليقا عابثا غرائبيا عنوانه ، ينعل دين أم دى عيشة أو هذا كابوس مررت به وسأحاول الأنتصار على ارتعابى من ذكراه بالسخرية .

مبروك لعمر الزهيرى وصناع الفيلم ، فى الحقيقة لم اكن متفائلا قبل رؤيته وخشيت من أن يكون محض فذلكة لمخرج برجوازى متثاقف ، ولكنى انتبهت من ثناء طارق الشناوى وعصام زكريا على الفيلم فى كتابتين مختلفتين لهما . ثناءا منبهرا وهما بالنسبة لى من قوادم النقد السينمائى المعاصرين الذى يتسم حماسهم بالحذر الشديد .

الفيلم مهم جدا جدا جدا ، شاهدوه كما لو أنه ليس فيلما ، شاهدوه ككابوس ، كابوس تعونه كشريط سينمائى مما قد يخفف وطأة الخوف والألم ، على الأقل سيكون تجربة جديدة ، وفى كل الأحول من لن يعجبه  الفيلم فللأسف الخيارات محدودة جدا أمامه فى ضوء وضع السينما المصرية الحالى و كما اوضحت سابقا فالميدان موجود ” اقصد الأختيار 11 ” أو إلى مالا نهاية .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

توطئة رقم 1:   قررت أكتب بوست طويل مش مقال لأن البوستات ممكن توصل أسرع للناس والمواقع محجوبة وانا يهمنى التفاعل اكتر من التوثيق  وأحب أضيف ان النحو بتاعى غلط عادى يعنى لأنه بوست . توطئة رقم 2 :   المجتمع فى مصر والسينما فى قلبه ، لم يعد لهما قلب ، قلب بمعنى احشاء داخلية ومتن…

أترك تعليق