حوار مع جدلية عن كتاب تاريخ العصامية والجربعة

** فى إطار الصدى الطيب الذى لاقته الطبعة الأولى من كتاب تاريخ العصامية والجربعة  الصادر عن دار المحروسة فى يوليو2021 أجريت هذا الحوارمع مجلة جدلية فى 2 نوفمبر2021.

جدلية : كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟

محمد نعيم : ما قادني ويقودني منذ أكثر من ست سنوات هو سؤال هزيمة الربيع العربي، ولا أعني هنا هزيمة تياراته التقدمية بل أعني هزيمة مجتمعاته ككل بمكوناتها كافة، المنتصرة والمهزومة فيما بدا معركة سياسية وذلك على حد سواء، لدرجة جعلت الأسقف والمعايير أكثر بدائية وبؤسًا تجعل من أسئلة التقدم السابقة على الربيع تبدو وكأنها من زمن بعيد وخيالي.

من هذا الموقع السياسي بالأساس رأيت منذ عام 2016 وجوب إجراء مراجعات فكرية عميقة تتجاوز في جراحيّتها حدود الاشتباك السياسي السابق عليها لتصل لمتن الانحيازات وصدقيّتها، عبّرت عن ذلك من خلال مقال نشرته في موقع مدى مصر بعنوان “أشباح يناير التى تنتظر المراجعة والنقد الذاتي”، والذي كتبتُ فيه عن شروعي في كتابة كرّاس عن أسئلة الثورة المغدورة، إلا أن هذا الكرّاس ابتعد تدريجيًّا عن أسئلة الثورة نفسها إلى محاولة فهم الإطار النظري والاجتماعي الذي شكّل الأدمغة التي طرحت أسئلة هذه الثورة، وحدودها وآفاقها ودوافعها، من هنا بدأ الأمر فيما أعتقد.

(ج): ما هي الأفكار والأطروحات الرئيسية التي يتضمنها الكتاب؟

(م. ن.): للكتاب ثلاثة أبواب، أو لأكون أكثر دقة، ثلاثة مداخل، الأول أسميته خصال صاحبت رحلة التحديث. وفيه، حاولت التأمل فى شفرات التمايز والتمييز الاجتماعي المصري المختلفة بين الطبقات والفئات الاجتماعية والثقافية، وكذا القيم المهيمنة على معاني ودلالات الرفعة والتطور أو الوضاعة والانحطاط، والتي اشتقّيت من خلالها تعريفات العصامية والجربعة.

ثاني المداخل هو ما أسميته بعضًا من ملامح تاريخ السيولة الاجتماعية في مصر، وحاولت من خلاله رصد المحطات التاريخية لعمليات الصعود والحراك الاجتماعي في مصر وسِماتها كل على حدة. سواء قبل جمهورية يوليو 1952، أو في محطاتها الناصرية والمباركية. وخصصت فصلًا خاصًّا لمناقشة ظواهر اعتبرتها استثنائية فى زمنها وهي الأمركة، والهجرة إلى الخليج، والصحوة الإسلامية، والانفتاح السبعيني. وإذا ما كانت الحياة في مصر منذ بداية السبعينات قد تشكَّلَت بمثلَّثٍ، أضلاعه هي: الانفتاح الاقتصادي وهجرة العمالة المصرية إلى الخليج وغزو أنماط الحياة المتأمركة، فالصحوة الإسلامية كانت بمثابة المساحة الداخلية لهذا المُثلَّث والمجال الرابط بين أضلاعه، فكل ظاهرة من الثلاثة على حِدَة كانت مؤثِّرَةً على قطاعات مُعيَّنة في المجتمع أكثر من غيرها، لكن الصحوة الإسلامية شكَّلَت في ظنِّي الحبلَ السُّرِّيَّ الذي يربط كل هذه الظواهر ببعضها البعض.

أما المدخل الثالث فسميته من ملامح أزمة التأسيس الاجتماعي والسياسي فى مصر، والتي اعتَبَرَت أن ثورة يناير 2011 كانت بمثابة إعلانًا نهائيًّا عنها، وأن هذا الإعلان جاء ليبقى طالما لم يتم الاشتباك مع الشروط المادية والموضوعية التي أنتجته، وهو ما جعلني بالضرورة أتطرق لسؤال الجمهورية فى مصر؛ سؤال ابتسارها وإرجائها المستمر باسم عدم اكتمال الشعب الخديج، وأعتقد أن سؤال الجمهورية هذا هو سؤال الأسئلة، سواء في هذا الكتاب أو فى الكتب التي ستليه.

(ج): ما هي التحديات التي جابهتك أثناء البحث والكتابة؟

(م. ن.): كانت تحديات شخصية ونفسية بالأساس، فتوقيت كتابة الكتاب كانت مرافقة لفترة العزلة التي صاحبت تفشي جائحة كوفيد-19. ومثّلت الكتابة محاولة الهروب من الإقامة الجبرية التي فرضتها عليّ ظروفي الصحية ومخاطر الإصابة بالفيروس، رافق هذا تغييب الموت لخالي ولجدتي، وهما كانا – رحمهم الله – من أقرب الناس إلى قلبي وكنت عاجزًا عن حضور مراسم عزائهما نظرًا للسفر والعزلة. أعتقد أن ما ذكرته كان أهم تحد لي، وهو تحدي الإقدام على الكتابة نفسها واستخدامها كأداة للبقاء والحفاظ على الحدود الدنيا من الأمل.

(ج): كيف يتموضع هذا الكتاب في الحقل الفكري/الجنس الكتابي الخاص به وكيف سيتفاعل معه؟

(م. ن.): لست أكاديميًّا، وبالتالي منطق الكتابة بالأساس سياسي ومتفاعل مع جمهور القراء بشكل سياسي وحركي ومباشر. من سيحدد موقع الكتاب من الحقول المعرفية هم القرّاء أنفسهم، بمستوياتهم المعرفية ومستويات تفاعلاتهم مع العمل. أما أنا فلا أستطيع القول أبعد من أنها كتابة سياسية تأخذ من التطور الاجتماعي ومساراته مدخلًا لتكوين زاوية النظر والانحياز.

(ج): ما هو موقع هذا الكتاب في مسيرتك الفكرية والإبداعية؟

(م. ن.): هذه هي المرة الأولى التي أنشر فيها كتابًا كاملًا. أغلب إسهاماتي في العادة تأخذ شكل المقالات التي لا تتعدى أكبرها 8000 كلمة. لكن بالرغم من كونه كتابي الأول، إلا أنني كنت أعي وأضمر تمامًا أنه مجرد مقدمة لما أريد كتابته والاشتباك معه فى المستقبل. لقد أردت من خلال هذا الكتاب تقديم زاوية نظر واسعة وفضفاضة لأفكاري حول التاريخ المصري الحديث، وذلك بغرض التعاطي التفصيلي لاحقًا استنادًا لما قدمته فى هذا الكتاب وانطلاقًا منه.

(ج): من هو الجمهور المفترض للكتاب وما الذي تأمل أن يصل إليه القراء؟

(م. ن.): أثناء الكتابة كنت أضع فى اعتباري جمهورين من القراء، أحدهما شديد الاتساع والآخر شديد الضيق. شديد الاتساع هو جمهور الشباب المهتم بالشأن العام بين سن الـ20 والـ30، فهذه الشريحة العمرية تحتاج فى ظني إلى أعمال تقدم لهم نقدًا على مستوى من الحدة، هم في حاجة له في سنوات الموات والقهر هذه فى مصر، وحاولت ماطبتهم من خلال تبسيط اللغة والصياغات قدر الإمكان واستخدام مجازات حية ويومية. أما الجمهور الضيق فهو جمهور المثقفين والسياسيين المصريين المهمومين بإعادة قراءة تاريخ الاجتماع السياسي كجزء من عملية المراجعة والنقد الذاتي التى أصبح الجميع يعلمون بضرورتها سرًّا وعلنًا.

(ج): ما هي مشاريعك الأخرى/المستقبلية؟

(م. ن.): على المستوى الفردي لدي مشروعان في المدى المتوسط، الأول هو محاولة عمل نقد أكثر تمحيصًا وتأملية فى الوطنية المصرية كأيدولوجيا مهيمنة على المخيال السياسي والاجتماعي المصري، وحدود تصوراتها عن معنى الاجتماع السياسي الحديث وأفقه وأثرها الطاغي على التمظهرات الأيديولوجية الليبرالية والاشتراكية والقومية العربية والإسلامية داخل مصر. أما المشروع الثاني فهو عن ثورة يناير 2011 كلحظة اختبار تاريخي واستثنائي للبنى الأيديولوجية الموجودة فى مصر.

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

** فى إطار الصدى الطيب الذى لاقته الطبعة الأولى من كتاب تاريخ العصامية والجربعة  الصادر عن دار المحروسة فى يوليو2021 أجريت هذا الحوارمع مجلة جدلية فى 2 نوفمبر2021. جدلية : كيف تبلورت فكرة الكتاب وما الذي قادك نحو الموضوع؟ محمد نعيم : ما قادني ويقودني منذ أكثر من ست سنوات هو سؤال هزيمة الربيع العربي، ولا…

Comments

  1. الكتاب كان رائع.شغل بالي فترة وساب لي تساؤلات اكتر من اجابات.ياريت تغطيها في كتاب تاني.وهنتظره.

أترك تعليق