عرب وصهاينة وأنخاب فى صحة هتلر

كنت قد شاركت مع اصدقائى خبر عن تصريح لنتنياهو بأن الحاج امين الحسينى مفتى القدس فى الثلاثينيات هو من اقنع هتلر بفكرة معسكرات العمل لليهود والتخلص منهم بالحرق ، وحقيقة لم استطع اخفاء سعادتى بهذا الدجل المنحط الجهول من صاحبه لإن انحطاطه وجهله هو من جهل وغباء دولته وفى هذا بعض العزاء اليائس لنا ، وإن كانت سعادتى تلك تحمل معها شعور اقل بالمسؤولية إذ ان ذلك التصريح يحمل سمات خطورة واضحة ، فربما غرض هذا الجهل او الإستجهال بتحميل الفلسطينيين مسؤولية المحرقة  غرضا تعبويا مأفونا ودفعا و تحضيرا لمذبحة رادعة فى مواجهة النصال الفلسطينية المرفوعة .

لكن و كالعادة وجدت من يريد مناقشتى فى قصة المحرقة النازية نفسها ، مناقشة حدوثها من عدمه ومدى استحقاق اليهود لها ،  هذا موضوع جاذب جدا للناس هنا ،  فى حين اننى شخص يكن للفاشية كراهية تفوق كراهية كل الأشياء الكريهة مجتمعة  لذا كان دائما ما يلفت نظرى تفاصيل عابرة من نوع  الرواج النسبى لكتاب كفاحى لهتلر على ارصفة  بيع الكتب فى القاهرة او ظهرو الصليب المعقوف بين الحين والأخر على حوائط واسوار مدارس لم تعرف او تفهم معنى النازية ابدا ، ودائما ما كان يلح علي نفسى تساؤلات بشأن نظرة القارئ البسيط للشرور النازية خاصة فى علاقتها باليهود والتى اراها علاقة مضطربة جدا ،  ذلك  الإلحاح مع هذه النقاشات مع كراهيتى المتأصلة للفاشية دفعونى معا للمزيد من التأمل فى الأمر .

يهيأ لى ان جزءا كبيرا وراء الإضطراب ازاء المحرقة النازية هو عدم فهم منطق عمل الفاشية نفسها فى نسختها الألمانية  كنموذج من نماذج التراكم و النمو الرأسمالى السريع المجنون، إذ ان معظم اضطراب الفهم هذا ياتى من نقاشات مع ابناء بلدان عالم ثالثية لم يختبروا تجارب كهذه بشكل معاش ، وأقول أبناء بلدان عالم ثالث عموما  من خارج نطاق الصراع العربى الصهيونى ، حيث يوجد عداء تاريخى / معاصر و مستحكم مع الصهيونية والذى  تحول  بفضل تأثير التيارات الهوياتية القومية والإسلامية لعداء مع اليهود وبدأ يستبطن تدريجيا شعارات العداء للسامية ، والتى  اتصور انها لم تكن متأصلة بعمق بيننا كعرب بحكم كونها مفاهميم بنت سياق اوروبي / غربي / ذو تراث مسيحى ، فى مقابل مفاهيم عداء قديمة لدينا قائمة على الكراهية  الذمية بمعناها التراثى .

ما فهمته فى كثير من الحوارات هو تخيل الناس لعملية إبادة النازيين اليهود او الغجر كعملية محض انتقامية  يتم  فيها تجميع البشر وقتلهم بتلذذ وهمجية والتخلص منهم بالحرق فى افران فيما يشبه حفلات الشواء ، شيئ اشبه بالتصورات عن التطهير العرقى ، وتصور كهذا يستتبع معه التعامل مع الفكرة كأمر من اثنين حال كون  الشخص مؤيد  من الأساس لفكرة التخلص من اليهود ،  الأمر الأول هو الحماس الشديد لها كعملية متصورة عن القتل المستحق ، او النفور منها انسانيا واخلاقيا فيتم انكارها من الأصل وإعتبارها محض اكاذيب يهودية مختلقة لإبتزاز العالم  .

ما لفت نظرى هو الغياب الشديد لتصور فكرة معسكرات العمل نفسها  كعملية تراكم رأسمالى من اشد الأنواع عنفا وتكثيفا، و من حيث كونها عملية ابادة عبر العمل ، تجميع اكبر قدر من البشر فى مكان  يشتغلون فيه لأكثر عدد ممكن من الساعات حتى الموت ، اطعامهم بالحد الأدنى ضغطا للنفقات مع عدم السماح بتفشى الأوبئة بينهم كيلا اتنتقل العدوى لمديرى المعسكرات والجنود ، العمل حتى الموت مع إمكانية الاستفادة من المخلفات البيولوجية للموتى كتصور تام للنجاعة الإقتصادية فى ادارة الموارد والمخلفات ومن هنا جاء الكلام حول تحويل الجثث لشحم وصابون ، وحتى فكرة التخلص التام السريع من الجماعات المبادة جاءت  بمعنى من المعانى مرتبطة بعدم قدرة الضحايا على العمل لحداثة او تقدم سنهم او لعدم قدرة الدولة النازية على ادارة وجودهم و تشغيلهم  بالشكل الفعال ، اى بسبب تحولهم لعبء اقتصادى غير منتج لأى قيمة وجب التخلص منه .

ربما يكون عدم وعى الناس فى منطقتنا ومناطق كتير بهذا النوع من الإستعباد وعدم خوضهم لتجارب حيه معاصرة له هو السبب ،  وبالتالى عدم فهم ضرورة معسكرات العمل القسرى لألمانيا النازية كضرورة لمضاعفة الطاقة الإنتاجية عدة مرات على مستويات التصنيع المختلفة  بالشكل الذى يجعلهم قادرين على خوض معارك عسكرية طاحنة مع تحالف دولى اكبر منهم بكثير عددا وعدة وموارد ، تحالف يمثل العالم كله تقريبا، و اعتقد ان عدم الإمساك بفكرة معسكرات العمل  ولمنطقها ولعجلة دورانها هو ما يفتح الباب لإنكار فكرة المحرقة من الأصل بشكل فيه قدر عالى من الخفة والتمام واليقين، حيث  اخر تصورات لدينا كمصريين مثلا عن شيئ شبيه بمعسكرات العمل كانت حكايات السخرة فى حفر قناة السويس والتى ماتزال  ايضا فكرة  وحكايات غير مكتملة التصور وغير مؤرخة بالشكل اللائق بمأساويتها و حدودها هى تخيل اجر زهيد وعلاقة عمل  فوق العبودية قليلا  لكنها تصورات لا تفترض نية القتل بالعمل او الإعتقاد بضرور افناء العامل فى النهاية بقدر ما تفترض عدم الإكتراث بمصيره فى ميزان عمله وانتاجه .

ما سبق كان محاولة منى للتأمل فى فهم ذهنية انكار المحرقة عربيا وعالم ثالثيا  بغرض تفسير اضطرابها وخفتها ، لكنى اعتقد ان ما يستدعى التأمل اكثر هو محاولة انكار الصهاينة الأن للحارق الأصلى ومحاولة الباس الجريمة بمنتهى الخفة والإجرام للضحية الفلسطينية الحالية ، محاولة تبرئة النازى والقول بأنه كان يريد فقط طرد اليهود من المانيا وان مفتى القدس هو من اقنعهم بالإبادة لهو امر يرمى فى اتجاه مقولة كنت اتردد كثيرا قبل ترديدها وهى ان اسرائيل تريد لنفسها تموضعا شديد الشذوذ والإستحالة بأن تشكل هى بنفسها طرفى خيط  المشهد الألمانى عشية المحرقة و تكون الضحية اليهودية والجلاد النازى فى جسد واحد .

نشر هذا المقال على موقع ألترا صوت فى 31 أكتوبر 2015 **

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

كنت قد شاركت مع اصدقائى خبر عن تصريح لنتنياهو بأن الحاج امين الحسينى مفتى القدس فى الثلاثينيات هو من اقنع هتلر بفكرة معسكرات العمل لليهود والتخلص منهم بالحرق ، وحقيقة لم استطع اخفاء سعادتى بهذا الدجل المنحط الجهول من صاحبه لإن انحطاطه وجهله هو من جهل وغباء دولته وفى هذا بعض العزاء اليائس لنا ،…

أترك تعليق