وقت نال أحمد ناجى نصيبه من السجن عاما ونصف

منذ حوالى 8 سنوات كنت اعيش فى مدينة سيدنى ، كانت صلتى بمصر الكترونية ، أضطر لأن اتابع عشرات الصحف والمواقع كى أحافظ على لياقة تواصلى الحى مع المكان دون شطط أو خيال ، كنت أدرك ان الإنفصال الجسدى عن الواقع المصرى أمر من شأنه تضبيب رؤيتى  ، وتخيلت إننى من الممكن أن أعوض ذلك عبر متابعة أكثر تدقيقا وتركيزا ، حتى أكثر من الموجودين داخل مصر ، وقتها كان الأعلام فتيا والصحف تتوخى الاحترافية ، كان الأهرام وقتها افضل وأصدق من الان 100 مرة وكان المصرى اليوم فى عز انطلاقته الوثابة الشابة ، وكانت هناك حركة شباب المدونين الجدد ، تعرفت وقتها على كتابات ممتعة لعمرو عزت و ليلى ارمن و أحمد عبد الله و مجهولين مبدعين أخرين و تعرفت ايضا على واحد من أكثر من اضحكونى وسلوا وقتى فى الغربة وعرفونى بوجود جيل جديد من الأحياء وأشعرونى أن لازال هناك من لديه فيضا من النزق والشجاعة فى التعاطى مع البؤس الأنسانى المقيم فى هذا البلد ، هذا الشخص هو أحمد ناجى والذى كان وقتها يسمى إبليس و صاحبة مدونة “وسع خيالك ” .

أذكر جيدا بداية معرفتى بناجى حين شارك صورة لبينظير بوتو على احد الشواطىء البريطانية مرتدية مايوة بكينى أحمر قانى شديد السخونة ، بدون اى تعليق او توطئة ، أضحكتنى جدا الفكرة فى حد ذاتها ، بعدها وجدته يشارك صورة بالمايوة ذو القطعة الواحدة لشاية سمراء جميلة من الستينيات تحت عنوان ” خمن .. من هى الجميلة ؟ ” ، كانت صورة لمنى عبد الناصر بنت الزعيم الخالد  جمال عبد الناصر وزوجة رجل الأعمال تاجر السلاح الجاسوس الإسرائيلى أشرف مروان ، لم يجيب أحد على ناجى إلا بعلامات الإستفهام ، ورد ناجى عليهم : دى بنت العرص ، ضحكت كثيرا وفرحت بهذا الشاب ، فقد كانت صادقة سهلة وفى محلها ، شديدة العدل من وجهة نظرى ، بعدها ناجى كتب سلسلة سباب في من يراهم انتهازيين ووصوليين تحت عنوان ” المنايك ركبت فلايك ” ، وأى انسان منا تربى فى منطقة شعبية يعرف هذه المقولة الذكورية المريرة عن الزمن أبن المتناكة الحايك اللى خللى المنايك تركب فلايك والزبيرة ياخدوها عوم .

كان ناجى يشتم فى وقت كانت الناس لاتزال تتوخى التأدب للحفاظ على صورة وسمت اللياقة الاجتماعية اللازمة للمثقف الناشئ ، حيث كل الأمور بحدود حتى إدعاء التمرد الجارف ، استخدم ناجى الألفاظ النابية واللغة الأبيحة مبكرا ، لم يكن الأمر استعراضيا بل كان لازما والدليل اتساع دائرة استخدامها الاَن من ناس يعرف القاصى والدانى أدبهم وحسن أخلاقهم وسلوكهم ويعتبرون استخدامها منهم تعبيرا صادقا عن الضج والقرف والصراحة ومواجهة القبح بما يستحق .

ربما لايعرف الكثيرين أن فى زمن ما كان مجرد استخدام العامية بالكتابة خدشا للحياء وجريمة فى حق اللغة العربية الموصى عليها من كهنة الأسلام حافظى الدين والذكر والقرأن ، نكتب الان بالعامية وفى عاميتنا أباحة من دون التنكر للفصحى لغة ثقافتنا ، نحن فى برزخ ما نحو الأمساك بلغة نعترف بها قبل أن تعترف هى بنا ، نحن الأسياد عليها وليس العكس ، وما الحديث عن الأرداف فى مواجهة الطياز أو مابين فخذى امك كبديلا عن كس أمك إلا تجلى ما من تجليات هذه الرحلة وهذا الصراع ، ليس الأمر عن التأدب او ما شابه ، الأمر أبعد من ذلك ، أتذكر وأنا طفل صغير مسلسل تلفزيونى يعظ فيه الأب ابنه ويقول له أنه من العيب استخدام كلمة ” ماشى ” وإن الأدب وحسن الأخلاق تتطلب منا ان نقول حاضر و أفندم  ” التركية ” .

السفافون قليلى الأدب ، منتهكى اللغة ، دارجى الألفاظ هم الغالبية ، لكننى لا أرى من بين هذه الغالبية إلا قلة من الضاجرين الشجعان الذين يستخدموها فى كتاباتهم ، هؤلاء ليسوا استعراضيين أو محدثي تمرد ، بل مستعلين أخلاقيا يؤمنون بأنفسهم وذواتهم وسداد خيارتهم للدرجة التى تجعلهم قيمين على الواقع البذىء فيواجهون بذائته ببذاءة ، ربما لا يعجب ناجى هذا الكلام ، لكنى استغل هذا الظرف الذى يهدده بالسجن لمجرد أنه كتب فى روايته كلمة ” كس ” ، وأواجهه بحقيقة ما اراه فيه بأنه شخص أخلاقى مهما بدا غير ذلك ومهما لم يكترث هو لإظهار ذلك ، وما صح على ناجى ، صح على أخرين كثر .

ناجى كتب رواية لم اقرأهااسمها استخدام الحياة ، ومن المؤكد أنه استخدم لغته المعروفة لى ، تلك اللغة التى استفزت محتسب ما من عوام شرفاء الوطن ، فذهب بها لوكيل نيابة ربما يعسف فى سياقات اخرى بالمئات فى السجون ، وتحت عنوان الأداب العامة التى لم يخدشها مرتضى منصور او نائلة عمارة او أحمد موسى او حبيب العادلى الذى اعترف بتجسسه على مكالمات نساء مصر التليفونية ، تحت هذا العنوان بالذات يذهب ناجى الى المحكمة ، ربما يحكم عليه بالسجن وربما ينجو ، وأيا كان المصير ، فإن إهانته بالجرجرة الى المحاكم اراها رد فعل طبيعى على وجوده فى حد ذاته ، فقشطة عادى ، معلهش ، وياما بيننا ليالى ، الله غالب وعاش التضامن .

 ولا تنسوا أصدقائى و زملائى ورفاقى أن بينما يذهب احمد ناجى الى المحكمة ، يحصل هانى شاكر كنقيب للموسيقيين على سلطة الضبطية القضائية من أحمد الزند ، ولاننسى أن فى لحظة ما فى 2012 طلب مجمع اللغة العربية عبر ممثله فى لجنة الدستور الحصول على سلطة الضبطية القضائية ضد من يعتدى على اللغة العربية وبنص دستورى ، فالمعركة هى معركة الجميع رغما عن أنف الجميع .

** تم الحكم لاحقا على أحمد ناجى بالجبس سنتين قضى منها فى السجن عاما ونصف تقريبا.

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

منذ حوالى 8 سنوات كنت اعيش فى مدينة سيدنى ، كانت صلتى بمصر الكترونية ، أضطر لأن اتابع عشرات الصحف والمواقع كى أحافظ على لياقة تواصلى الحى مع المكان دون شطط أو خيال ، كنت أدرك ان الإنفصال الجسدى عن الواقع المصرى أمر من شأنه تضبيب رؤيتى  ، وتخيلت إننى من الممكن أن أعوض ذلك…

أترك تعليق