ضد التنكيل بالنساء المصريات

منذ حوالى شهر صدر تقرير عن رويترز وصف وضع النساء المصريات بالأسوأ بين نساء العالم العربى ، وركز التقرير على وجود تحرش جنسى يومى فى معظم مدن مصر وان هنلك استغلال للنساء يصل الى ان هناك قرى كاملة في ضواحي القاهرة أساس نشاطها الاقتصادي تهريب والتجارة بالنساء، والزواج القسري ، وبالرغم من ان وجود ردود افعال منددة بهذا التقرير من اطياف واقلام متنوعة الاتجاهات والمشارب الا انى اجد المؤشرات المستخدمة حقيقية واراها رؤي العين واقعا فى حياتنا اليومية ، بالشكل الذى يدفعى لان اغامر و اسمي ما تتعرض له النساء المصريات تنكيلا  بالرغم من ثقل وطأة الوصف.

هو بالفعل نوعا من التنكيل لاننا لسنا بصدد الحديث عن امكانيات منع التمييز او جلب المساوة فهى صارت امور موضوعيا لا محل لإحتمال وجودها الا فى نصوص دستورية او ديباجات قانونية هى غالبا موضوع للإنتهاك وعدم الإحترام ، النساء المصريات فى وضع سيئ بالفعل وجب الوقوف على مستوى تدهوره بالأمانة التى تليق . والتنكيل الذى اعنيه هو العقاب الشديد الواعى وهو فعل مادى تتعرض له النساء المصريات فى علاقتهن بالمجال المادى العام ، الشارع والعمل والمواصلات ،ويبدأ بالضيق من حضورهن فيه و التساؤل عن سببه  والضجر منه ويمر بالتضييق على هذا الحضور وينتهى بالتحرش اللفظى او الاعتداء الجنسى وصولا للإغتصاب فى حالات تتزايد الان بإضطراد .

والواقع ان ازمة النساء المصريات تزداد سوءا يوما بعد يوم حتى وان اخذنا بالمقارنة العربية فنساءنا فى منطقة وسط بين مجتمعات مازالت تقليدية صرف ومجتمعات قطعت اشواطا جادة فى التحديث . فلايوجد نظام السوق فيه الحد الأدنى من التنافس المنصف الذى يسمح بإستيعاب النساء تدريجيا داخله .ولسنا فى مجتمعات قبلية تفخر فيها المرأة بنسبها فتجد داخل هذه البنية ولو بالزيف مجالا للحماية المستندة لنظام تقليدى قديم و مفهوم تفاصيله للكافة  كحال دول الخليج ولا نحن فى ظل دولة قوية تحمي وجودهن  فى المجال العام واستحقاقاته مقابل تسخيرهن فى خدمة مشروعها التنموى  كما فى تونس او كما فى مصر الستينيات بل فى الواقع اصبحت اجزاء من الدولة المصرية وتحديدا افراد شرطتها طرفا يوميا فى التحرش والاعتداءات الجنسية على المواطنات .

النساء المصريات غير مرحب بوجودهن فى المجال العام ، يكفى النظر لنسبة تواجد النساء فى شوارع قلب المدينة فى ساعات الذروة وسنجد انها نسبة خافته لن تتجاوز الخمس بغض النظر عن سن النساء او ملابسهن او كونهن يتحركن بصحبة رجال  شرطا انهن جميعا يتحركن فى تأهب يشير الى انهن خائفات من شيئ ما. مترو الانفاق مثال واضح على خفوت نسبة حضور النساء فى ظل وجود نوع من الفصل الواضح بين الجنسين فى عرباته مع استثناءات نادرة ، فللنساء عربتين وللرجال الباقى . خفوت نسبة حضور النساء فى الشارع اذا قارناه باى مدينة حديثه حيث نسبة النساء لا تقل عن 40% يشير الى الاحتقان الحاصل فى المجتمع الذى يؤدى بالتداعى المنطقى الى الإعتداء على هذه الأقلية فيأتى التحرش كظاهرة عنف وطرد واستباحه اكثر منه ظاهرة كبت جنسى وإلا لماذا امتدت الظاهرة الجماعية لأطفال مدارس دون سن المراهقة ؟ ، كل هذا فى ظل مجتمع شرط احساس الذكور فيه بالطمأنينة والأمان نحو نساء بيتهم وذويهم هو ان يكن داخل جدران منازلهن بعيدا عن ” مخاطر الشارع” .

نظامنا الاجتماعى المهيمن عليه بطبيعة الحال من الذكور فى حالة ازمة واحتقان حقيقية ازاء النساء ليس لأنه يشهد ردة ويريد العودة بالنساء الى المنازل مثلا ، بل لانه لا يعرف بالظبط ماذا يريد منهن. فلا هو يمتلك المقومات المادية لتوقير النساء فى المنازل او بالعامية ” تستيتهن ” ولا هو على قدر مواجهة استحقاقات وجود النساء فى سوق العمل والمجال العام من قبول وتشجيع فانتج اضطرابا وقلقا تحول الى عدوانية غير مسبوقة .بل اننى ادعى ان تلك العدوانية زادت معدلاتها مع وجود نوع من التوافق الاجتماعى حول اقرار وجود النساء فى سوق العمل فإنتقلت النساء المصريات مع هذا الاقرار من مرحلة التمييز الى مرحلة التنكيل الذى صرنا معه فى منطقة عدم واحتقان ابدى لاعودة فيه للقديم كبنية قيم وممارسات بأكملها على غرار السيد احمد عبد الجواد وزوجته امينة ولا قبول فيها بالحديث بنتائجه وتضحياته .

منذ ايام كنت اسير فى شارع بورسعيد فى القاهرة ، ومرت امامى فتاه لا يبدو من سمتها وملابسها الفضفاضة وطرحتها متنافرة الالوان غير انها مصرية  مدينية من عوام الناس ، رأيتها وقد مرت امام احد افراد الشرطة الذى رماها بدون اى مناسبة بلفظ بالغ البذاءة والانحطاط وعلى وجهه ابتسامة الواثق المنتصر ، فما قامت الفتاة الا بالنظر اليه نظره كلها اليأس والإشمئزاز ثم مضت تتحدث فى هاتفها المحمول قائلة ” انا مش طايقة البلد دى يا هدى انا بقيت بكرهها بكرهها بكرهها بكرهها ” تقريبا كررتها فوق العشر مرات .

حسنا طالما ان هذه الفتاة بحسب محدودية دخلها البادى عليها لن تستطيع مغادرة مصر وطالما ان عسكرى الشرطة يتحرش بها لوجه الله تعالى وطالما انها فى واقعه اظن انها يومية لها ولغيرها اعلنت كراهيتها لمصر احد عشر مرة فى جملة واحدة ، فماذا نحن فاعلون ؟ . وحديثى غير موجه بالطبع للدولة المصرية فى طورها الحالى حيث يمارس القائمين على الامن فيها صنوفا من الجور والتنكيل بالموطنين عامة بإسم محاربة الإرهاب واسترداد هيبة الدولة وبالتالى لا مجال لحمايتهم للنساء بل ان الاعتداء عليهم يمكن جزءا منطقيا من حزمة هذه الممارسات الجائرة بالرغم ان حماية النساء فى الشارع من المفترض انها من ابجديات هيبة الدولة ، حديثى موجه لكافة الافراد والقوى التى تدرك جسامة الوضع ولكنها لازالت تستشعر حرجا فى طرحه كما هو وبالصراحة اللائقة وبالأفق اللازم لتجاوزه والذى يجب وان يحمل فيه اولا اجابة لسؤال ماذا يريد المجتمع من النساء فى ضوء اننا فى عام 2013 وتشكل النساء ربع قوة العمل الرسمية واكثر من ذلك كثيرا اذا اخذنا فى الاعتبار القطاعات غير الرسمية .

 نشر هذا المقال بموقع جريدة المصرى اليوم فى 25 يونيو 2014 **

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

منذ حوالى شهر صدر تقرير عن رويترز وصف وضع النساء المصريات بالأسوأ بين نساء العالم العربى ، وركز التقرير على وجود تحرش جنسى يومى فى معظم مدن مصر وان هنلك استغلال للنساء يصل الى ان هناك قرى كاملة في ضواحي القاهرة أساس نشاطها الاقتصادي تهريب والتجارة بالنساء، والزواج القسري ، وبالرغم من ان وجود ردود…

Comments

أترك تعليق