إما المراجعة الجماعية أو الردة الجماعية

لى تعليق و ملاحظة على أزمة نقاشاتنا و سجالاتنا حاليا ، نحن جميعا ، وأعنى هنا كل المشتبكين مع الشأن العام سواء من هم فى قلب صراعاته أو من طردوا منه وصاروا على هامشه وهم الغالبية العظمى ، لماذا الجدل مبتور دائما ويتسم بالعصبية والإرتباك الذى يصل الى حد انتاج افكار ومواقف متناقضه ومشوشة ، ولماذا أى موقف يبدو وكأنه يتوخى التماسك يتم التعامل معه بإحتمالات الرفض والغضب أكثر بكثير من إحتمالات التفاعل والنقد والوصول إلى ضفاف ، و يتم هذا فى مناسبات ” الذكرى ” أو مع ظهور مبادرات سياسية تكتيكية نظرية كانت ام حركية أو محاولة صياغة موقف سياسى من اللحظة الراهنة ” كما فى حال بيانى الإشتراكيين الثوريين الذى لم اقرأهما بعد ” .

فى ظنى ان الأمر تعلق بالتأجيل المستمر لعملية إجراء مراجعة سياسية ونقد ذاتى ليس فقط لفترة الثورة العظمى فى 2011 او لفترة الردة 2012 – 2013 وصولا لفترة الإنعطافة الكارثية المستمرة حتى تاريخه ، بل أن الأمر أيضا يمتد لعدم مراجعة ونقد التصورات السياسية التى اسست للحراك الذى بدأ من 2004 ، ذلك التأجيل المستمر للمراجعة والنقد الذاتى يتم إما عن عمد او عجز او مصلحة او تحرر مقيت من المسؤولية التاريخية عن الماضى واستسلام لإنحطاطات الحاضر والمستقبل ، التأجيل المستمر لتلك العملية يراكم المزيد من الطين والتقيح على الأذهان و الألسنة بالشكل الذى يجعل أى تموضع سواه ، مبتورا او مجتزئا أو مشكوكا فى نواياه عند جمهور معسكره قبل جمهور خصومه .

ويخطئ من يظن أن مهمات النقد الذاتى مطلوبه ممن هم فى موقع قوى يناير الديمقراطية اليسارية فقط ، هى مهمة لنا  بالطبع لأننا صرنا لا نخاطب إلا أنفسنا حاليا . لكن مهمة عاجلة أيضا للجيش والإخوان إذا ما أرادا الاستمرار بدون المزيد من التدمير الذاتى لهما ولنا . فعدم قيام القوى الأكبر بمراجعة نفسها يزيد ملامحها وطباعها جنونا ، و لكن من يدرى فربما تكون المراجعة تلك هى نفسها مفتاح ترنحهم ، وموت لمنطق وجودهم كما يعونه هم .

فالإخوان المسلمين حيال شروعهم بمراجعة سياسية ونظرية جادة ربما يجدوا انفسهم امام سؤال معنى وجدوى دعوتهم من الأساس لذا نجدهم الطرف الأشد شراسة فى مواجهة دعوات النقد الذاتى الجاد بالرغم كونهم الطرف الأكثر حاجه له فى ظل اخفاقاتهم السياسية والحركية المستمرة وهاهى تحل ذكرى مذبحة رابعة الأبشع فى تاريخ مصر المعاصر كعنوان لمعنى تقديم القرابين البشرية للعدو / الحليف لقاء عدم مراجعة الذات واخفاقاتها فى حينه .

و مع سيلان الدماء لانجد من هذا المعسكر من يقدم نفسه فكرا وكتابة إلا بمن يعاير العالم بمأساته هو ويلومهم على إنتحاره أو يذهب بعيدا لينفصل شعوريا تماما عن غالبية الناس مموضعا نفسه كشعب مسلم فى مواجهة شعب مصر العسكرى ، لا يقوى الإخوان على طرح سؤال كيف باعهم جماهير المستفيدين من بر أعمالهم الخيرية ولا يعرفون كيف ينظرون لبندول التاريخ الذى تأرجح بهم بين عتبة التمكين كتجسيد للشعب فى تجليه المنضبط وبين اللحظة الحالية التى ينكروا فيها ذواتهم كإخوان وهم يتحركون وسط العامة فى الشارع ، لا يعرف الإخوان كيف يتعاملون مع واقع أن ملايين 30 يونيو لم يكونوا نصارى وعلمانيين  ، وإنها كانت 30 يونية و ليست 30 سونيا ، وإن كانت سونيا هذه تحقيرا للحركة و للنساء فإن تلك السونيا هى من هزمتهم أولا وليس الإنقلاب العسكرى .

الجيش من ناحية اخرى فى أزمة لا تقل عمقا ، يهرب من المراجعة بمزيدا من السباحة فى الدماء والجنون والإكتساح الكامل لأوجه الحياة المدنية فى مصر ، لا يقوى هذا الجيش على طرح سؤال كيف تحالف مبكرا مع الإخوان وكيف كان العصار والسيسى وصبحى وهذا الجيل من البداية هم العرابين لهذا التحالف الذى أنتج جنينا وُلِد مشوها و أحترق مشوها فى رابعة ، يجد هذا الجيش نفسه فى حزمة من التناقضات بشأن معنى وجوده كجيش وطنى محارب ” لإسرائيل ” وكيف تحول فجأة إلى قوة مكافحة إرهاب متعثرة ، لايراجع الجيش نفسه بشأن يناير الذى كان شريكا أساسيا فيها وأصبح يحيلها الان الى حادثة خيانة قام بها أخرين ، الجيش إذ يمارس ويعيش فاشيته الحالية كطور أخير ومأساوى للوطنية المصرية فهو لا يؤسس لشيئ إلا تفكيك مقومات الدولة المصرية الحديثة نفسها.

ربما لايعنى شروعنا فى النقد الذاتى إنقاذا للواقع فى مصر فى الوقت الحالى ، لكنه شرطا لازما لبقائنا من الأصل ، فلربما يكون لدينا ما نقدمه فى المستقبل .

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

لى تعليق و ملاحظة على أزمة نقاشاتنا و سجالاتنا حاليا ، نحن جميعا ، وأعنى هنا كل المشتبكين مع الشأن العام سواء من هم فى قلب صراعاته أو من طردوا منه وصاروا على هامشه وهم الغالبية العظمى ، لماذا الجدل مبتور دائما ويتسم بالعصبية والإرتباك الذى يصل الى حد انتاج افكار ومواقف متناقضه ومشوشة ،…

أترك تعليق