فى أصول علاقة الدب الروسى و سيد قشطة المصرى

عالم ما بعد 30 يونيو أعاد الاعتبار والاهتمام المحلى بروسيا وفى إطار إزدياد النعرات الوطنية والمعادية لأمريكا ، أصبح هناك حنينا ما لما يتم تسميته ب ” الدب الروسى ” ولكنه فى الأغلب حنين يستند إلى عالم لم يعد موجودا وهو العالم ثنائى القطبية وقت كان هناك شيئا اسمه الإتحاد السوفيتى ، وأعتقد أن الناس فى حاجة لمعرفة عدد من الحقائق الأولية عن روسيا الحالية .

– تفكك الإتحاد السوفيتى عام 1991 مخلفا ورائه كارثة جيوستراتيجية كان يمكن للعالم كله دفع تمنها فإنهيار الأمبراطوريات ليس بالأمر البسيط ومثلما وجودها تحدى لخصومها فإن انهيارها السريع هو ايضا تحدى لأعدائها ، لأن الأطراف فى اطوار معينة هى مبرر وجود خصومها .

– بذلت الولايات المتحدة كقوى عظمى ضد ، جهدا جبارا من أجل إتمام عملية تفكيك الإتحاد السوفيتى من دون كوارث ، كان الحفاظ على الجيش الروسى موحدا مسألة أمن كونى ، ترسانة نووية قادرة على تدمير العالم ألف مرة كان من الممكن أن تباع لمن يدفع على هامش الضياع والإنهيار .

– احتوت الرأسمالية العالمية روسيا بسرعة ، دفع الشعب الروسى أثمانا مروعة ، تم تكوين طبقات من الإحتكاريين المجرمين بسرعة مخيفة ، قصص أفظع عشرات المرات من قصص تكوين الرأسمالية الطفيلية فى مصر عشية الإنفتاح ذلك أن على قدر أهل العزم تأتى العزائم ، عملية إدماج روسيا فى السوق العالمى كانت عملية كونية ، روسيا الأسواق المفتوحة والبنية التحتية العملاقة ، ذلك الغول المسلح والجيوش المليونية بحق ، معادلة جديدة تماما للإحتواء والسيطرة أعتقد اننا لم نبلغ مبتدئات فهمها بعد .

– توحد العالم خلف الولايات المتحدة والناتو وظلت هناك تخوم غير خاضعة لتلك السيطرة المطلقة منها المجال الروسى بالطبع ، وبحكم التدافع الغشوم للسيطرة الأطلنطية المطلقة، يحدث احتكاك بين الحين والأخر مع المريض الروسى العملاق فى مناطق نفوذه ، الروس بالطبع ليسوا فى موقع عداء بل فى موقع تبعية ، ولكنها لم تعد تبعية مريض العناية المركزة كأيام حكم بوريس يلتسين ، لذا يصرخ الروس أحيانا كفاية حرام ، راعوا أن لدينا ترسانة نووية وجيوش جرارة ، احترمونا حتى ولو كنا تابعين .

– كى لا تنهار روسيا تماما تم إخضاعها لمركب أمنى داخلى بمساعدة العالم كله ، فشلت محاولتها اليلتسنية الضحلة المستحيلة فى التحول لديمقراطية غربية  بينما المصالح الإحتكارية المحلية والعالمية تحتاج من يؤمن استمرارها فى ظل بنية طبقة حاكمة شديدة الإجرام والتفكك والفساد ، لذا ففلاديمير بوتين أو ما يمثله فلاديمير بوتين ليس مجرد ضرورة محلية حاكمة روسية بل هو ضرورة امريكية ورأسمالية عالمية ايضا .

– روسيا كدولة قومية لاتزال فى طور التعافى الأول وأمامها الكثير لبلورة وجود قابل للاستدامة وشكل دولتها الحالى استثنائى ، أما روسيا كمكون من مكونات الرأسمالية العالمية فهى ترواح بين الخضوع التام والخضوع الممانع . لذا يوجد بعضا من الدببة  الجريحة فى روسيا ولكن لا يوجد “دب روسى ” ، أما نحن  فغير معنيين بالأمر لأاننا محض تابعين لتابعى التابعين للولايات المتحدة .

*******

هناك جانب أخر بالطبع من القصة وهو الخط الدرامى الرابط  فى تاريخ علاقة الدولة المصرية ووطنيتها بالمرحوم الإتحاد السوفيتى وكذا علاقة روسيا بنا فى ضوء هذا الخط الدرامى وتفاصيل فصوله  .

السيد جمال عبد الناصر كان معاديا للشيوعية جدا ولكنه أسس نظام فيه كتير من الملامح السوفيتية وسماه الاشتراكية العربية ، عبد الناصر لعب مع دول أخرى لعبة كتلة عدم الإنحياز وعدم الإنحياز فى رأيي كان يعنى انحياز مشروط للإتحاد السوفيتى بدون الدخول رسميا فى حلف وراسو ، لأن مصر والهند ويوغوسلافيا مؤسسى الحركة كانوا فى التحليل الأخير كانوا اقرب للسوفيت من الأمريكان . عبد الناصر اتقن لعبة عدم الإنحياز واللعب على التناقضات الدولية ببراعة لدرجة أنه كان يحصل على معونات من القوتين العظميين متساوية القيمة بالتوازى حتى منتصف الستينيات .

لكن الإتحاد السوفيتى هو من كان يدعمنا بصدق بشأن ما هو تأسيسى واستراتيجى ،  فهو من يسلح القوات المسلحة وبيدرب الكادر الفنى وبيبنى السد العالى وبيعمل مجمع الحديد والصلب وبيدرب الخبرات الفنية فى مجالات مختلفة ، بينما كان هناك تيار هو الأقوى داخل الدولة المصرية رافضا لذلك ومتململا منه ، وكان التلمظ والشكوى هم لسان حال النخبة المصرية ولا سيما العسكرية منها إزاء الاتحاد السوفيتى وكانوا يعتبرون زيادة الإقتراب منه  فقر وشيوعية .

طول الوقت كان هناك هجوما على الاتحاد السوفيتى الملحديي الكفرة ، وحين وقعت هزيمة 1967 التى تسببت لأول مرة فى وقوع أجيال متقدمة من السلاح الروسى فى يد الامريكان ووكليهم الإشرائيلى ، تم صياغة خطابات محلية متنطعة تروج أن الاتحاد السوفيتى هو من ورطنا فى الحرب كى ننهزم ” مش فاهم ليه يعنى الروس حيهزموا سلاحهم ” .

التخاشن الغنج مع الإتحاد السوفيتى وصل بأن السادات طرد الخبراء السوفيت من مصر تحت دعوى استقلال القرار الوطنى مع ان القاصى والدانى كان عارف انهم هم من أعادوا بناء الجيش المحطم تماما و أن  هناك أسرابا سوفيتية فى مقدمة سلاح الجو المصرى وأن هناك أطقم دفاع جوى سوفيتية كاملة فى مصر بتدور انظمة سام 6 الجديدة ، و الحقيقة تفهم السوفيت خطوة السادات الإستعراضية الخاصة بطرد الخبراء لأنهم كانوا على علم بوجود جنرالات مصريين  فى الجيش قاموا بمحاولتين انقلابيتين اواخر سنة 1971 وبداية سنة 1972 ” انظر مذكرات الشاذلى ومحاولة انقلاب اللواء على عبد الخبير قائد المنطقة المركزية ” وهى محاولات كانت مدفوعة بالخوف من أن توقيع السادات لمعاهدة الصداقة المصرية السوفيتية فى بداية حكمه كانت تعنى ان مصر ستتحول لبلد تابع لحلف وارسو بالكامل فى القريب العاجل .

تحمل الروس معنا الكثير ،  السباب والافتراء  ونكران الجميل والمعروف و التلكؤ فى دفع متأخرات الديون الكتيرة ، حالة منحطة قيميا وأخلاقيا خارج معانى السياسة حتى ، تقديرى ان مصر اليوليوية كانت من أكثر البلدان التى استطاعت الاستفادة من الاتحاد السوفيتى بأقل تنازلات سياسية ممكنة ، والإتحاد السوفيتى تحمل ذلك كالأبله وفى النهاية باعهم أنور السادات وأعطاهم ظهرة بل و شن عليهم حملة سياسية  شديدة لدرجة أنه كان هو راس الحربة السياسية فى صراع العالم الغربى مع السوفيت فى افغانستان وكانت مصر اول بلد ينسحب رسميا من اولمبياد موسكو سنة 1980 حتى قبل امريكا نفسها وكانت مصر السادات هى أول راعى سياسى رسمى للمتمردين ” المجاهدين ” الأفغان وبأشد الشعارات الإسلامية وضوحا ضد الكفر والإلحاد وطبعا باقى القصة  الأفغانية معروفه ويدفع ثمنها العالم كله إلى الأن .

الكوميدى فى الأمر واللافت جدا  فى نفس الوقت ، أن نفس أحباب ومؤيدى أنور السادات الذين يرون فيه  الثعلب والداهية وصاحب الخيارات السليمة التى سبقت عصرها ، هم ذات نفس الناس التى ترتجى الان حبا من جانب واحد مع ما يسمونه دبا روسيا ويدعون بحماس لتحالف مصرى روسى إستراتيجى .

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

عالم ما بعد 30 يونيو أعاد الاعتبار والاهتمام المحلى بروسيا وفى إطار إزدياد النعرات الوطنية والمعادية لأمريكا ، أصبح هناك حنينا ما لما يتم تسميته ب ” الدب الروسى ” ولكنه فى الأغلب حنين يستند إلى عالم لم يعد موجودا وهو العالم ثنائى القطبية وقت كان هناك شيئا اسمه الإتحاد السوفيتى ، وأعتقد أن الناس…

أترك تعليق