حاشية على الإجرام الإمبراطورى الأمريكى فى المنطقة

كل مركب من مركبات الشرق الأوسط بات يتحدث الان عن مؤامرة امريكية ما ضده ، الكل فى شكوى ، الحليف والخصم ، فى السابق القريب ما قبل الربيع العربى كان الشرق الأوسط مقسم بين ما كان يعرف بمحاور الإعتدال ومحاور الممانعة ، كانت محاور الممانعة تتنفس عداءا شفهيا وتبدى بعض العداء الحركى للولايات المتحدة ، وكانت محاور الإعتدال تفخر بالصداقة الأمريكية فى السر و العلن ، الان تبدو تلك التقسيمات فى طى الماضى من دون ان تتضح ملامح لتقسيمات جديدة ، موقع الولايات المتحدة اصبح موقعا مربكا لكل الأطراف برغم كونها ” الإمبراطورية” ، بلدان كانت ومازالت الشراكة الأمريكية هى العامود الحاسم فى استمرار انظمتها اصبح الان الحديث داخل اروقة حكمها عن الولايات المتحدة عنوانه المخاشنة والتربص وبلدان وكيانات عاشت على شعار الموت لأمريكا اصبحت الان فى مرامى الود والصداقة .

الإرباك الأمريكى الحالى ليس وهما او خطأ فى حسابات الأطراف الإقليمية ، بل فى رأيي نتاج سياسة أمريكية جديدة وتموضع إمبراطورى جديد للولايات المتحدة فى المنطقة ، تموضع غير معتاد منذ عالم ما بعد نهاية الحرب الباردة ، لا يمكن فهمه إلا فى ضوء تجربة احتلال الولايات المتحدة للعراق 2003 – 2011 .

فحين قامت الولايات المتحدة بمغامرتها الإمبرالية المراهقة فى العراق عام 2003 لم يقو أحد على اتخاذ خطوات جدية لإيقافها ، كانت أمريكا فى حالة هياج امبراطورى مستعر من بعد هجمات 11 سبتمبر و كان الحديث صارما فظا حتى للحلفاء الأوربيين فإما ان تكونوا معنا او مع الإرهاب ، اكتفت دول المنطقة بإعلان نوع من الرفض المبطن لم يتجاوز المستوى الشفاهى و لم تقوى هذه الممانعة على ترجمة نفسها فى صورة وقف تسهيل المادى للغزو الأمريكى وتقديم العون اللوجستى الذى كانوا يقومون به متى طلب منهم ، لكن هذا لم يعنى استسلاما كاملا منهم او رضوخ أبدى للوطأة الأمريكية ، فحلفاء الولايات المتحدة الأوفياء من العرب لم يفهموا منطقها فى الغزو والتدخل لإسقاط الدولة العراقية البعثية إلا بإعتباره تهديدا لاحقا لوجود انظمتهم ، وبعد وقت قصير لم يروا غزو العراق أكثر من صيغة تمكين للشيعة على بلاد الرافدين ومن ثم تمكين إيران ، وعليه لم يقدموا لأمريكا يد العون الجدى فى مرحلة ما بعد الإحتلال وراحت السعودية والأردن ودوائر خليجية تدعم سنة العراق وتؤلبهم على الإحتلال الأمريكى .

بشكل عام كان ثمن المراهقة الإمبراطورية الضاجرة فى العراق عقابا من كل اطراف المنطقة أصدقاء وحلفاء كانوا أم أعداء وخصوم ، السعودية والعرب السنة يدعمون الفصائل السنية المقاومة للوجود الأمريكى فى العراق بإختلاف تلاوينهم العقائدية والولايات المتحدة تجد نفسها أسيرة لحلف موضوعى مع خصمها الإيرانى الذى أصبح شريكها فى النفوذ على شيعة العراق وعلى مستوى أقل فى افغانستان حيث ساعدها بطرق واخرى فى حربها ضد الميليشيات السنية الطالبانية ، تقاسم الايرانيين حكم العراق مع الأمريكيين رغما عنهم فى وضع شاذ لا يعبر إلا عن الفشل والتخبط الامريكى ، لم يستطع الأمريكان احتواء الأمر و كانت أحد محاولاتهم الرد على هذا الوضع الملتبس والفكاك منه هو تصدير الأزمة مع ايران الى لبنان فكانت حرب الوكالة فى يوليو تموز 2006 بين حزب الله واسرائيل ، التى دعم فيها دول المحور السنى إسرائيل دعما سياسيا صريحا بل وشكلوا معها عشية الحرب محورا ضاغطا من أجل تصعيد أمريكا للمواجهة مع إيران ودفعها الى حد شن حملة عسكرية واسعة عليها فى اعقاب سعى إيران لتطوير تكنولوجيا نووية .

وجدت الولايات المتحدة نفسها فى مستنقع صنعته برعونة الإمبراطور العابث ، صاروا خصوما لأيران فى لبنان وحلفاء موضوعيين لها فى العراق فى مواجهة حلفائها من الأصدقاء الأوفياء العرب السنة الذين يدعمون بشكل او بأخر التمرد السنى العراقى فى مواجهة شيعة العراق المدعومين من  اأمريكا وايران ، لقد أفشلت المنطقة المغامرة الامريكية فى العراق التى بدت فى نهايتها مجرد سببا لتدمير العراق وعبثا منتشيا بمصيره ، القوة الأمريكية الغاشمة لم يعد لها مدلول ، وجود قواعد عسكرية فى قطر او فى تركيا الناتو لم يعد أمر ذى معنى طالما اصبحت التصورات السياسية الامريكية فى المنطقة غير قابلة للتطبيق وعاجزة عن فهم ما يجرى وملاحقة مجرياته ناهيك عن اإدارته أو إعادة تأسيسه ، لقد نجحت القوة المحضة المدمرة فى هدفها الأول ولكن تلى ذلك فشل ذريع واستثنائى فى إدارة المشهد العراقى وتعثرت عملية تأسيس دولة جديدة واصبحت الولايات المتحدة فى نظر بعض الأطراف لا تعدو أكثر من ثور هائج يمكن للبعض استخدامه لتصفية حساباته مع أطراف اخرى كما فى حالة استعداء دول الخليج وإسرائيل للولايات على ايران فى اعوام 2008 و 2009 من أجل شن عدوان واسع عليها .

إزاء تلك السلسلة من الورطات المهينة ، تحولت الولايات المتحدة فى غضون سنوات من إمبراطورية متدخلة بشغف ومنحازة لصالح أطراف ضد أطراف إلى إمبراطورية منسحبة تفك إرتباطها الحميم بالمنطقة ، كان من دروس التروما الأمريكية فى الشرق الأوسط هو المزيد من الااستثمار الذهنى فى النظرة الاستشراقية الاستعلائية للمنطقة ، فالفشل فى العراق لم يجد من يفسره فى أمريكا بإعتباره فشلا أمريكيا فى تأسيس جمهورية عراقية جديدة حديثة بل تم تحميله فى التحليل الأخير  إلى ” الطبائع العربية والإسلامية ” التى لم تمكن الرجل الأبيض من تحمل عبئه التاريخى والأخلاقى ، لقد تم رد الفشل الأمريكى للشرور العربى والإسلامى الذى لا يمكن إحتماله بالشكل الذى أعاد صياغة النظر للمنطقة بإعتبارها منطقة مولدة للأزمات والمخاطر وبالتالى إعادة النظر اليها بأكملها ” كعدو ” يستحق أن يُحكم من قبل اسلامييه المعبرين عن تخلفه وجوهره الشرير ، ذلك بالرغم أن من دشن فك الإرتباط المباشر بدا بشوشا متسامحا متفهما ” للثقافات ” اسمه باراك اوباما  وذلك فى خطابه من جامعة القاهرة عام 2009 و الذى بدأ معه فصل جديد وهذا حديث أخر .

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

كل مركب من مركبات الشرق الأوسط بات يتحدث الان عن مؤامرة امريكية ما ضده ، الكل فى شكوى ، الحليف والخصم ، فى السابق القريب ما قبل الربيع العربى كان الشرق الأوسط مقسم بين ما كان يعرف بمحاور الإعتدال ومحاور الممانعة ، كانت محاور الممانعة تتنفس عداءا شفهيا وتبدى بعض العداء الحركى للولايات المتحدة ،…

أترك تعليق