موقف سياسى من كارثة ” إنتخابات رئاسة 2018 ” المؤسفة

الحديث السياسى عن ( الانتخابات / الاستفتاءات ) فى ظل ( الحكم العسكرى / الأمنى ) يحتاج قدر كبير من الدقة والحذر من دون خوف  قدر الإمكان  ، لذا قررت نشره كبوست على فيسوك  وليس كمقال فى موقع محجوب ، فعذرا لطول البوست .

لا أعلم من أين أبدا ، لكن ربما تكون البداية هى أن اهدى جائزة أغبى فكرة للطرح الذى يقول ان الاشتباك السياسى مع النظام العسكرى يمنحه ” الشرعية ” .

بسم الله الرحمن الرحيم ، النظام العسكرى الفاشى الحالى لديه شرعية بل وشرعية كبيرة وربما الشرعية ” الأكبر ” ، شرعية مكنته من اتخاذ قرارات إقتصادية قاسية الأثر على السواد الأعظم من الناس لم تجرؤ دولة يوليو فى اى لحظة من اللحظات على اتخاذها من قبل  ، وهذا النظام العسكرى له شرعية تتبدى فى الصمت والصبر بل والدعم الشعبى له امام اخفاقاته الأمنية المتتالية والتى يدفع تمنها المواطنيين خاصة الأقليات بل وعناصره هو نفسه ، وهذا النظام العسكرى شرعى لدرجة جعلت الكتلة الحرجة من الطبقة الوسطى المتعلمة فى حالة انبطاح نفسى وذهنى كامل لروايته عن ما كل ما يجرى لدرجة مكنته من السيطرة التامة على كل أدوات الأعلام ووسائطه ، بل أن هذا النظام العسكرى له من الشرعية ما سمح له بالتنازل عن أراضى خاضعة للسيادة المصرية لدولة أخرى فى سابقة هى الأولى فى التاريخ الحديث .

هذه التجليات المختلفة ل ” الشرعية ” لا علاقة لها بمفهوم ” الحق ” و ” صحة و سلامة الخيار ” او مفهوم الديمقراطية التمثيلية بالطبع ، يمكن ان تسميها شرعية القوة او شرعية الأمر الواقع او شرعية بؤس البدائل الأخرى أو شرعية الحفاظ على تماسك الدولة فى مواجهة شبح مصائر سوريا والعراق، تلك التى تتوازى مع شرعية كون القوات المسلحة خطا أحمر ، يمكنك أن تسميها شرعية تحطيم المجال السياسى نظرا لتحول أكبر تنظيم معبر عن الطبقة الوسطى المتعلمة الى حفنة من المجانين ، ربما تسميها شرعية إنهيار سماوات يناير على رؤوس أبنائها وعجزهم عن تجاوز إخفاقاتها ومراجعة مواقفهم ومواقعهم منها ، القصد أن شرعية الحكم العسكرى فى مصر لها روافد كثيرة وكثير منها ما زال راسخ بالرغم كل المخاطرات والسياسات المتطرفة والقاسية والإجرامية سياسا واقتصاديا واجتماعيا التى يتخذها هذا النظام ،  وأنهى مقولات ” الشرعية ” تلك بأن جزء كبير من الطبيعة القمعية والتنكيلية ذات الملامح الفاشية لهذا النظام ليس مردها ” فاشيتها وعسكريتها ” فقط بل  بالأساس لأنها تملك الشرعية التى تمكنها من أن تكون كذلك .

المقدمة السابقة غرضها توضيح أن محاولة الاشتباك مع المحطات السياسية الانتخابية فى ” اللحظة الراهنة ” ليس غرضها او نتائجها هو ” منح ” النظام العسكرى الحالى الشرعية او قبلة الحياة ، بل أن الحقيقة هى العكس تماما وليحزن من يحزن ، وهى إن غرض محاولة الإشتباك هو محاولة الحصول على شرعية من النظام العسكرى الحالى عبر عملية قانونية وسلمية ومن خلال باب يفتحه هذا النظام العسكرى وهذا له منطقه وأسبابه و لكنه أيضا له مخاطره وتداعياته غير البسيطة  .

النظام لم يكن ليقبل بأقل من حدود مهانة موسى مصطفى موسى

هناك مجموعة من المعطيات ومقدمات للحظة الراهنة أتعامل معها شخصيا كحقائق تسبق أى عملية تحليل سياسى للموقف :

1- أن القوى السياسية غير الاسلامية هى قوى ذات طبيعة سلمية ووديعة وهى طبيعة غير عسكرية وغير مسلحة  بالتعريف ولا تطرق فى قوتها أو ضعفها إلا أبوابا سلمية وقانونية وتمثيلية وقضائية ، السنتين الاوليين لثورة يناير 2011 تذكرنا بالكثير وكيف كانت معارك الدستور والانتخابات والمظاهرات ” السلمية ” واللجوء إلى المحاكم والحلم بالتوافق هى مداخل هذه القوى للتعاطى مع لحظة ثورية غير مسبوقة ، هذه الطبيعة التى اتحدث عنها ليست محل نقد هنا ، ما أريده هو التوضيح والتذكرة بهذه النقطة الأولية .

2- النظام العسكرى وفى اطار انتصاره التام فى اعقاب إنعطافات  يونيو 2013 تمكن وبنجاح من وصم تلك القوى بالعمالة واللاوطنية والتمويل من الخارج واعطاها لقب الخونة والطابور الخامس ، وكل ما سبق من وصمات كان له اثر غير بسيط فى علاقتهم بالقطاعات الأوسع من القوى الاجتماعية الأوسع فى المجتمع وذلك فى اطار سيطرة وهيمنة تامة على كل وسائل الاعلام لا يمكن أن تقارن الا بأسوأ لحظات ستينيات عبد الناصر ، وفى طيات ذلك تعرضت هذه القوى ” الوديعة ” وعناصرها لصنوف مختلفة من القمع والسجن والتنكيل والنفى والتضييق على الأرزاق ، ومن هذه النقطة يمكننى فهم منطق الحراك ” التيرانى الصنافيرى ” المجهد المجهض منذ لحظة ميلاده فى ربيع 2016 والذى شهر سيف الوطنية والتخوين فى وجه النظام العسكرى بمنطق داونى بالتى كانت هى الداء ولنفى كل التهم والفريات الكذوبة عنه ولإعادة ” عالم يناير ” من الباب الوطنى الضيق المستعلى بحقوق الأرض والعرض وكشف التناقضات الخطابية للنظام العسكري ومسافة هذا الخطاب عن ممارساته .

معارضة نظام عسكرى غير مسبوق فى شراسته على أرضية الخيانة الوطنية من دون إمتلاك الأسباب المادية لإسقاطه هو ببساطه خيابة

3- كان ذلك ذكيا وتكتيكا مفهوما فى بدايات الحراك الأولى ولكن مع تصاعده الى حد تحوله خطابيا الى صراع صفرى تنقسم فيه الحدود إلى حق وباطل وخونة ووطنيون ، تحولت وجهة الحراك نحو تكتيكا مجازفا بشدة ،  لأن اللعب بورقة التخوين الوطنى للنظام وأنت فى موقع المعارضة هو لعبة صفرية نتيجتها اما الفوز المظفر او الهزيمة المريرة ، ويمكنك وأنت فى رأس السلطة العسكرية أن تخون معارضيك بغرض حصارهم والضغط عليهم لكن لا يمكن العكس ، فالمعارضة إذا خونت سلطة عسكرية باسم الوطن وارادة الشعب لزم عليها اما الانتصار التام او مواجهة الهزيمة المخزية التى يترتب عليها فقدان مساحات كبيرة ، وهو ما حدث بالفعل فى صورة اعتقالات كبيرة وكثيرة وفديات مالية ضخمة ثم الاعتداء الكاسح على المساحات الرقمية للمعارضة والمتمثلة فى عملية ممنهجة لحجب عدد كبير جدا من المواقع الألكترونية ، لقد ترتب على الحراك التيرانى الصنافيرى فى مألاته المهزومة ليس فقط فقدان ما تبقى من أى شارع بل ترتب أيضا حظر التجول فى الكثير من شوارع الفضاء الألكترونى نفسه ، بل و حرق ورقة التصعيد  ب ” القضية الوطنية ” ذات الطابع “المقدس ” وهنا يجب تذكر أن من ابرز رموز مرحلة الحراك التيرانى الصنافيرى من جانب القوى المعارضة الأصيلة هو المرشح المزمع خالد على  نفسه ، لأن مالم يؤخذ فى الحسبان هو أن المسألة الوطنية بالرغم من تجذرها الوجدانى فى نفوس المتعلمين المصريين الا إن شرعية النظام العسكرى الحالى أقوى منها ومن عالمها القديم .

4-  القوات المسلحة فى مصر ليست موضوعا للاستفتاء وبالتبعية ليست موضوعا للإنتخاب ، ومنذ فبراير 2011 والقوات المسلحة المصرية هى الوصى الرسمى والمعلن على الدولة المصرية سواء كان ذلك بشكل دستورى أو لا ، والإستثناء الوحيد كان فى انتخابات الرئاسة فى 2012 والتى كان ولا يزال رأيي فيها أن حدود تدخل المؤسسة العسكرية فيها كان منع / فيتو على ترشح أفراد معينين من المنبع وهم حازم صلاح ابو اسماعيل وعمر سليمان و خيرت الشاطر ، والاستثناء الأكبر كان فى استفتاء مارس 2011 والتى اختبئ فيه كل من المجلس العسكرى والاخوان المسلمين والدعوة السلفية فى بعضهم البعض وتم اجراؤه فى اعقاب ثورة شعبية مظفرة تسمح بوجود هامش لفكرة ” الاستفتاء على شرعية الجيش ” ، وفى ما سمى بإنتخابات 2014 – ولأن القوات المسلحة ليست موضوعا للإستفتاء – كانت نتيجة تزكية عبد الفتاح السيسى تتعدى 98% وكانت عملية ترشحه ومشهديتها يتم التأكيد فيها كل لحظة على ما سبق من حيث أن الترشح الرسمى جاء فى اعقاب اجتماع وبيان للمجلس الأعلى للقوات المسلحة والقاء عبد الفتاح السيسى  لخطاب ترشحه مرتديا  كامل زيه العسكرى الميدانى ، وجاءت مشاركة حمدين صباحى فى هذا ” الاستفتاء ” وحصوله على اصوات اقل من الأصوات الباطلة كنوع من الوفاء الناصرى لدولة يوليو فى محنة تجديد شرعيتها فى أعقاب يونيو 2013 ودعما لها ينضح بالأيثار والتضحية من جانب شخص يؤمن بها أكثر من قادتها أنفسهم ، بالرغم من أن حمدين صباحى لم يكن فى حاجة الى حرق نفسه سياسيا بهذا الشكل وهو الحاصل فى انتخابات 2012 على ما يقارب 22% من أصوات الناخبين .

القوات المسلحة فى مصر 2018 ليست موضوعا للاستفتاء وبالتبعية هى لست محلا للانتخاب من عدمه

5- أن واحد من أغبى المقامرات السياسية  فى بلد مثل مصر هو تبنى تكتيكات سياسية  تفترض بدون سند أو دليل  وجود شقاقات داخل البنية المؤسسية للسلطة وصياغة تكتيات حركية على هذا الأساس ، ذلك لأن معظم هذه المقامرات مبنية على توهمات  وتفكير بالتمنى  وليس على حسابات دقيقة ومعلومات أدق وبشكل لا يليق بالتضحيات الكبيرة التى ستبذل لاحقا جراء تبنى تلك التكتيكات والتى سيدفع تمنها مجال  سياسى وحركى أوسع بكثير من حملة سياسية بعينها  لمرشح بعينه ، ومازلت أتبنى وجهة نظر أعبر عنها كتابة منذ 2013 لا تفصل أبدا بين شخص رأس السلطة السياسة وبين  قيادة المؤسسة العسكرية ، فى زمن عبد الناصر كان هناك صراع مؤسسات محتدم لكنه لم يكن يعنى أابدا شقاقا سياسا من النوع الحاسم بل عملية استخدام متبادل من قبل المؤسسات المتصارعة لبعض الأدوات المدنية خارجها كرديف وجنود فى معاركهم هم من أجل تعزيز مواقعهم هم داخل بنية السلطة.

فى ضو المعطيات السابقة فأن القوى التى تنسب نفسها الى ثورة يناير هى فى مأزق ذاتى مروع ، فيناير مضى علي بدايتها 7 سنوات وعلى نهايتها 5 سنوات وهذا زمن كبير ، وتاريخ الأخفاق منذ لحظة نهايتها اشد من اخفاقات ما بعد صعودها ، والخسائر كبيرة جدا ولم يتم التوقف حتى الان على حصرها ، انخفضت السقوف بشدة لدرجة تجعل من المنطقى والسوى ان يستغل ايا من كان لأى باب موارب  ، له سمة من القانونية والسماح حتى لو كان ثمن ذلك هو العقاب اللاحق على محاولة طرق هذه الأبواب ، فما يحدث من انتظام فى حملات رئاسية والجرى ورا متطلباتها الإجرائية حتى لو كانت متعسفة وهزلية ومهينة  ماهو إلا محاولة لممارسة ” حق ” سلمى جدا فى أكثر حدوده أمانا قياسا بالشروط الحالية للمناخ العام ، وهى ممارسة فى رأيي تظل اكثر منطقية وعقلانية من ممارسات 2016 واجواء حراك تيران وصنافير .

اشكال الأيام الحالية هو أن حركة محدودة جدا بسقوف منخفضة جدا  قد يكون كلفتها الأمنية والنفسية عالية جدا ، أى أن هناك تضحيات كبيرة فى سبيل مراكمة انجازات ضئيلة وهو أمر من الصعب أن يكون مقنع ومستدام إلا لمن لديه رؤية متبلورة وعقائدية وواثقة بشأن الوضع المرتجى فى المستقبل ، وهو بالظبط عكس مسار وأجواء وخبرات الثورة حيث تم تحقيق إنجازات سياسية تاريخية ومكاسب مهمة فى وقت قصيرو فى ظل سيولة نظرية وفكرية وحركية كبيرة ، فتحية لكل من يحاول الحفاظ على أى مساحة عامة ممكنة الان ، بشرط الا يترتب على محاولته فقدان ما تبقى من مساحات .

** نشر هذا البوست فى 14 يناير 2018 وسط حملة متحمسة تبنتها أطراف ينايرية مختلفة لجمع توكيلات للمرشح خالد على والذى إنسحب لاحقا من السباق الرئاسى فى سياق أكثر تعقيدا وإضطرابا وبلبلة سواء على مستوى المشهد العام أوعلى مستوى موقف الحملة الداعمة له والأطراف المحيطة بها .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

الحديث السياسى عن ( الانتخابات / الاستفتاءات ) فى ظل ( الحكم العسكرى / الأمنى ) يحتاج قدر كبير من الدقة والحذر من دون خوف  قدر الإمكان  ، لذا قررت نشره كبوست على فيسوك  وليس كمقال فى موقع محجوب ، فعذرا لطول البوست . لا أعلم من أين أبدا ، لكن ربما تكون البداية هى…

أترك تعليق