تأملات حذرة فى الإشكال الأثيوبى

• by محمد نعيم
• 03/04/2021

يمكن نادرا ما الواحد بيتكلم فى مسألة أثيوبيا وسد النهضة  ، لأن الكلام فى الموضوع ده محتاج عناية شديدة  ومعلومات دقيقة وتفكير بارد ، لأن الموضوع بالفعل مادى وحيوى وعام .

ربما أبدأ من الأخر وأقول أن الأزمة الحالية مش بسبب أن مصر عايزه تضرب أثيوبيا ، الأزمة فى تصورى هى العكس وهى أن أثيوبيا  وتحديدا حكومة أبى أحمد الحاللية ربما تكون هى اللى عايزة تتضرب ، أو بمعنى أصح مشكلتها مع التصعيد العسكرى أقل من مشكلة مصر معاه وربما أطراف هناك تبقى شايفاه فى مصلحتها فى ضوء حسابات داخلية معقدة عندها .

مبدئيا مصر بتتعامل مع الملف ده كله -فى رأيي المتواضع – بمنتهى الحكمة والعقلانية والتعاون بل والأيثار ، مع إدراك لمستقبلية و استراتيجية الأزمة ، بشكل يخليها تبص على المستقبل وتحسب الأثار المترتبة على التصعيد بشكل عقلانى جدا . .مصر مثلا مدركة أن دى ساحة صراع جديدة بالنسبة لنا وبالتالى محتاجة تتدرس بعناية شديدة جدا قبل التورط فيها لأن التورط فيها له استحقاقات مش بسيطة وكتيرة .

أولها : هى مرارة العداء الناتج عن العمل العسكرى بين شعوب مش المفروض يبقى فيه عداء ما بينها وأن ده ممكن يبقى أرث سيئ إحنا فعلا بشكل مبدئى مش عايزينه .

ثانيها : هى إن التورط حيترتب عليه علاقة مختلفة تماما مع السودان فيها مسؤوليات عالية جدا على مصر ، تقريبا السودان ومصر لازم يبقوا شبه بلد واحد بكل استحقاقات ده الكبيرة .

ثالثها : أن الصراع ده من نوع جديد مفيش سوابق دولية كتير شبهه وبالتالى تطويره لحد الصدام مش معروف أثاره الدولية ، مش معروف لحد فين الأطراف الدولية حتستخدمه فى المساومة والأبتزاز او قلب الترابيزات ، لأن مفهوم الحق والباطل مش واضح بشكل يخلى الموضوع خاضع للحسابات والمصالح السياسية و فقط ، وبالتالى مش محسوب تماما التعسكر الدولى من الأزمة حيبقى عامل ازاى .

المقدمات السابقة دى هى اللى مخليه مصر تتعامل بحكمة مع المسألة وتطول وقت التفاوض بل وتتنازل أحيانا عشان التصعيد ميتمش بسرعة لكن فعلا بأمانة شديدة وتجرد الواحد بقى شايف المشكلة وبشكل موضوعى عند الجانب التانى ودى قناعة بتتراكم عندى بالتدريج خلال السنة دى ومرجعها هو التالى :

أولا : أنا بقى عندى شكوك كبيرة فى أن اثيوبيا بتتعامل مع موضوع سد النهضة بشكل عقلانى وتنموى حاطط أولولية لتحديث أثيوبيا اللى بتكبر وتزيد سكانيا وقادر أقرا بوضوح وجود خطاب شعبوى وغوغائى بيستخدم المسألة كلها فى المجمل لخدمة حسابات وصراعات سياسية داخلية .

ثانيا : تفجر صراعات عرقية مسلحة فى اثيوبيا يدى مؤشر على ما سبق ، لأن البلد نفسها مهددة داخليا بسبب ضعفها السياسى وقدرتها على ايجاد صيغ للتعايش المشترك ، ساعتها جدا اقدر افهم الأصرار الاثيوبى على التعنت ضد مصر فى أمور فعلا يمكن التنازل فيها ولا تؤثر استراتيجيا على جوهر مشروعهم التنموى ولا مساره .

ثالثا : بمعنى أصح أخشى أن أثيوبيا تبقى مستعدة أو معندهاش مانع ، تضحى بالسد و بالتنمية مقابل تفجير صراع استراتيجى لأغراض سياسية أنية ولحظية ، ودى حالة بالمجمل غير مسؤولة لكنها ماشية مع تصاعد خطاب الهياج القومى هناك اللى ماشى معاه بالتوازى صراعات أهلية ، بشكل يخلى الهياج القومى هو المدخل لحسم الصراع الأهلى او تهدئته .

كل ما سبق بيخلى الموقف حرج جدا جدا ، وهو حرج لدرجة أن القرار الصحيح بالنسبة لى غير واضح إلى الان ، فى نفس الوقت أصبح هناك صراع مع الوقت والزمن يخلوا القرار ملح ولازم يتاخد وكل ما الوقت بيجرى كل ما الأزمة بتتفاقم والوضع بيقترب من الحافة .. لأن المسألة كمان بتتجاوز قصة سد النهضة واثاره وفقا للطريقة اللى أثيوبيا مصممة تملاه بيه ، لصالح سن سنة سياسية عدوانية ضد مصر بتتعامل مع النيل باعتباره حق طبيعى لدول المنبع وفى سياق صراعى وعدائى ومستعد للتصعيد ، وده بالنسبة الأهم ،وده هو الأمر غير المقبول ، لأنه حيفتح باب لمشاكل أكبر فى المستقبل ، باب يخلى وللأسف الحرب هى الحل الوحيد والعقلانى .

بأمانة شديدة وبموضوعية وفى ضوء تطورات أخر سنتين .. المشكلة عند أثيوبيا اكتر ، احنا قدمنا كل التنازلات الطبيعية ، واقرينا بحقوقها التنموية ، وهى اللى فى حالة مش مظبوطة .. حالة بلد عالم تالت جى بيصيغ خطاب تحرر وطنى شعبوى بشكل متأخر جدا جدا وشديد الكاريكاتيرية و هو شكل ممكن يقلب غم بجد .

يمكن نادرا ما الواحد بيتكلم فى مسألة أثيوبيا وسد النهضة  ، لأن الكلام فى الموضوع ده محتاج عناية شديدة  ومعلومات دقيقة وتفكير بارد ، لأن الموضوع بالفعل مادى وحيوى وعام . ربما أبدأ من الأخر وأقول أن الأزمة الحالية مش بسبب أن مصر عايزه تضرب أثيوبيا ، الأزمة فى تصورى هى العكس وهى أن أثيوبيا…