فى مسألة أشرف مروان وإحتمالاتها

الجدل اللى بيثار وسيثار من جديد بخصوص موضوع أشرف مروان ومسألة إذا كان عميل حصرى لإسرائيل أم عميل حصرى لمصر أم  عميل مزدوج ، جدل له وجاهته خاصة وأنه أمر حصل زمان من ما يقرب من 50 سنة ، وبالتالى يمكن انه يتناقش بهدوء يقدر يساعدنا على فهم طبيعة المرحلة دى نفسها وحدود الصراعات فيها خارج الكليشيهات المكررة ، اللى لسه أصنام الماضى وجثثها المحنطة مصرين على ترديدها .

بما أن مفيش معلومات دقيقة ، ومش حيحصل أن حيبقى فيه معلومات دقيقة ، سواء من إسرائيل او من مصر لأن الموضوع خلافى جوه البلدين نفسهم ومش حيطلع ابدا من حد فيهم رواية موحدة رسمية ، فيجوز طرح اأسئلة منطقية ومحاولة إجابتها منطقيا برضه .

أولا من الخطأ النظر للتاريخ بأثر رجعى من اللحظة الحالية ، بالتالى لما نيجى نتكلم عن حدث ابتدى سنة 1969 فلازم نبقى بنقراه سنة 1969 وفى ملابسات واجواء وخطابات وصراعات وتصورات 1969 ، فماهو عالم 1969 داخل مركز الحكم فى مصر وصراعاته وازماته ؟

1- وزير الدفاع ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة والرجل الثانى فى النظام عبد الحكيم عامر أتقتل قبلها بسنتين وتم حبس نصف قادة الجيش على الأقل وعدد كبير من الظباط من ذوى الرتب الوسيطة ، مش بس كده ، ده تم حبس كل دفعة شمس بدران وزير الحربية المقال ، وتم حبسهم لمدة سنة من باب التأمين فى الكلية الحربية نفسها والدفعة دى كان فيها ظباط مهمين وكبار لاحقا زى عبد الحليم أبو غزالة وإبراهيم العرابى .

2- تم اقصاء واعتقال صلاح نصر مدير جهاز المخابرات العامة ومؤسسه الفعلى واللى حوله لجهاز كبيرو مهم وفعال ووجهت له ولكثير من رجالة تهمة التأمر والخيانة العظمى ومحاولة الإنقلاب .

3- القيادة الجديدة للجيش والأمن ممثلة فى الفريق عبد المنعم رياض وأمين هويدى هى من قامت بتصفية عبد الحكيم عامر وربما ” وأقول ربما ”  بدون موافقة واضحة وصريحة من جمال عبد الناصر وأطاحوا وحجموا برجالته فى الجيش والأمن ، القيادة الجديدة دى بقى تم اغتيالها سنة 1969 ، الشهيد عبد المنعم رياض قتل أثناء زيارته للجبهة بعد ” علم اسرائيل ” بوجود شخصية مهمة جدا فى الخطوط الأمامية ، ربما يكون حدس استطلاعى اسرائيلى كفء وربما ببساطة ” خيانة ” .

أنا هنا مش بتكلم على هزيمة 67 نفسها ولا عن الاف الظباط والجنود اللى ماتوا ولا عن الاَثار السياسية والنفسية على تماسك النظام وشرعيته ولا على حال الشعب المصرى اللى اتدهور بشدة بسببها ، انا فقط ضربت عدد من الأمثلة بخصوص الكتلة المركزية للحكم فى مصر وعلاقاتها ببعضها وطريقة تسوية خلافاتها سوا والأثمان اللى اتدفعت فى هذا السياق ومستوى الإنكشاف الوطنى والعقائدى والأخلاقى اللى كان سائد وانعدام اليقين والأيمان اللى ممكن يصيب أى حد بيشاهد عن قرب كل ما يحدث ، واللى ممكن ببساطة يخليه يبقى عميل للعدو بشكل مباشر .

ننتقل بقى للكلام التفصيلى اللى معطوف على سياق الأحداث نفسها ، دلوقتى هناك رواية اسرائيلية بتقول ان اشرف مروان راح بنفسه وشحمه ولحمه واتصل اتصال مباشر بالسفارة الأسرائيلية فى لندن ودى خطوة امنيا وحركيا فى رأىي غير منطقية لواحد بيعمل مخاطرة مجنونة زى دى ، لكن برضه مننساش انه مش أى حد .. فهناك احتمالين .

الأول : وهو القوى بالنسبة لى وهو ان اشرف مروان قرر بالأصالة عن نفسه أنه يقدم نفسه سياسيا وأمنيا للعدو ، وده مش تحت عنوان العمالة بالضرورة بل تحت عنوان الشراكة ربما وده فى ضوء تفكك وتشظى وانحطاط بيت وبيئة الحكم فى مصر وانهيار شرعيته الوطنية والاخلاقية خاصة لو انت بتتفرج عليه عن قرب جدا وترى ما لا يراه أحد ، اخذين فى الاعتبار أن ده زوج ابنه عبد الناصر وأبوه هو ظابط كبير فى الحرس الجمهورى .

الثانى : هو انه كان مبعوث ” سياسى ” من جمال عبد الناصر نفسه لفتح قناة مباشرة و ” شخصية ” مع الاسرائيلين بره قنوات اجهزة الدولة نفسها ، قناة سياسية وليست أمنية ، وأن القناة دى تحولت لاحقا لمسار تانى ، شخصيا انا مش قادر امنطق الرواية دى ، لأن عبد الناصر كان بالفعل عنده قنوات شخصية تانية فى العالم كله يقدر من خلالها يوصل رسائل للإسرائيليين ويتواصل من خلالها ، وثانيا لأن أشرف مروان قدم لاحقا معلومات حقيقية للإسرائيلين كان ليها أثر ضار ومدمر لمصر .

هنا بقى لازم الناس تفهم حاجة مهمة وهى إن مصر دى مش طابونة ، وان تفكك الأجهزة أو صراعاتها لا يعنى انها مش موجودة ومش شغالة ، فغالبا اللى حصل هو ان الأجهزة المصرية كشفت اشرف مروان بعد كده ومش بعد مدة طويلة وفى ظنى ان دى كانت نقطة التحول ، و السؤال هنا ، ايه هو التصرف اللى اتصرفته الدولة المصرية بعد اكتشافها لمسألة اشرف مروان وعمالته لأسرائيل .

المخيف فى الأمر فى رأيي هو انه يبدو لى انهم قرروا ” إدارة الأمر ” وتحويل اشرف مروان من عميل اسرائيلى الى عميل مزدوج ، وبالمناسبة هذا امر معمول به دائما مفيش حاجة اسمها عميل تام الولاء لجهة امنية واحدة خاصة لو كان بحجم واهمية اشرف مروان ، لأن العملاء بيتكشفوا كده كده ودايما مسألة كشفهم مسألة وقت والسؤال هو حيتم التعامل مع الكشف ده ازاى ، فى حالة اشرف مروان حجمه واهميته بتخليه هو نفسه ” مؤسسة فى حد ذاتها ” وعمالته بتتحول الى ” تراسل و وساطة ” بين الطرفين ، بمعنى ان مع الوقت بيتحول اشرف مروان الى جهاز وسيط فى حد ذاته بين البلدين .

المفجع ان يبدو لى ان الحسابات كانت سياسية جدا وحساسة جدا وعملية جدا ، مينفعش تحبس وتعدم زوج بنت عبد الناصر حتى لو انت فى عز الصراعات  مع مراكز القوى ، لأن دى فضيحة تدمر النظام كله ، بس المشكلة مش انه بس اتعمل احتواء ، لا المصيبة ان الشخص ده فضل فى مراكز مهمة فى الدولة وقعد يترقى وده ان كان بيدى دلالة ، فمعناها ان عند مستوى معين من الاهمية والمكانة السياسية فمسألة ” الوطنية والخيانة و الولاء ” بيبقوا فعلا مسائل نسبية ، النظام ممكن يحاسب طالب ادلى بحديث صحفى لجريدة اجنبية ويحبسه لكن يرقى واحد بيتواصل مع اسرائيل وبيديها معلومات لان له موقع حساس ويقدر يلعب أدوار متنوعة .

السياقات دى بتدمر كل الجعير الوطنى الشغال بلا توقف عن السيادة الوطنية ومفهومها وحدودها ، وبيحط الأمور فى حجمها وبيجعلها شيئ نسبى جدا ، فأشرف مروان ده مش حنعرف فعلا هو تبع مين لحد فين وامتى ، انهى لحظة كان هناك وانهى لحظة كان هنا وانهى لحظة كان بيبيع الطرفين لبعض ، ومش حنعرف مين فيهم اللى صفاه وليه  بل وربما يكون طرف ثالث ملوش علاقة بيهم ، بس الأكيد الأكيد ان العك كله كان بيحصل فى ناحيتنا احنا ، بمعنى ان مفيش أشرف مروان إسرائيلى كان جوه الجيش او الموساد او داخل بيت ديفيد بن جوريون ، اللبش والعك كله كان جى من بيت الراجل اللى كان بيخون اى حد مش عاجبه ويرميه فى السجن ويسحب صفة الوطنية من خصومه .. كانوا ومازلوا .

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

الجدل اللى بيثار وسيثار من جديد بخصوص موضوع أشرف مروان ومسألة إذا كان عميل حصرى لإسرائيل أم عميل حصرى لمصر أم  عميل مزدوج ، جدل له وجاهته خاصة وأنه أمر حصل زمان من ما يقرب من 50 سنة ، وبالتالى يمكن انه يتناقش بهدوء يقدر يساعدنا على فهم طبيعة المرحلة دى نفسها وحدود الصراعات فيها…

أترك تعليق