خان و خيرى و عاطف و داوود .. مدين لكم بالكثير

أعتقد إن لولا المشاهد الخارجى اللى عملها محمد خان فى أفلام زى  ضربة شمس والحريف وخرج ولم يعد لربما كانت قاهرة مطلع التمانينات أتزيفت صورتها هى كمان زى القاهرة فى أزمنة تانية كتير ، بالظبط زى ما المشاهد الخارجى بتاعة كمال الشيخ فى فيلم حياة اوموت اللى لولاها لربما مكناش قدرنا نتخيل شكل قاهرة مطلع الخمسينيات  الحقيقية من الأصل .

ده  مجرد غيث من فيض من أفضال نوع معين من السينما علينا كمتفرجين ،  ورحيل محمد خان مناسبة للحديث عن أفضال مخرجى الثمانينات على البلد دى وعلى جيلى تحديدا من أبناء الطبقات الوسطى ، لأن مبدعين زى محمد خان و خيرى بشارة و داوود عبد السيد و عاطف الطيب وغيرهم يستحقوا مكانة عظيمة فى ذاكرة بلد بتفقد ذاكرة حاضرها وماضيها القريب جدا ، فما بالك بماضيها المتوسط والأبعد.

مخرجى الثمانينات دول ليهم افضال كبيرة عليا كواحد من الجمهور – وانا بكتب كجمهور ولن أتتعتع من الموقع ده – لأن السينما فى مصر وسيط من وسايط قليلة بتخلق للأفراد صلتهم بالواقع وصورته عندهم ، وده فى مكان الناس فيه خايفة وعايشه فى زحمة وارتهان طبقى متبادل وجهالة واحتقان و صراعات مش ممسوكة أدواتها وجذرها ليه ألف سبب ، ولما تبقى الصورة والصلة دى بتتم بشكل نقدى وأمين  إلى حد كبير فى الاشتباك مع واقع مقرف ومهين فتساعدك أنك تبقى فاهمه ومتفهمه من غير ما تبقى كارهه الرغبة فى تخريبه فدى ناس والله ممكن تتحط فى مقام الأولياء ، لأن لولاهم كان الغضب والضيق اللى جوانا كان طلعنا دواعش أو مجرمين او ظباط شرطة .

الطيب او خان او بشارة اشتغلوا فى ظروف بشعة وجريوا ورا منتجين شوطهم قاسية جدا ، منهم اللى كانوا مقاولين وتجار خردة ، ومنهم اللى كانوا عايزين يبقوا صلة بالوسط السينمائى عشان يعرفوا يوصلوا لأجساد نجماته ،  المخرجين دول استحملوا ظروف عمل وحشة جدا والأدوات المادية بتاعة الصناعة والتقنية اللى كانت فى أيديهم مكنتش أحسن حاجه على الإطلاق ، دور السينما كانت سيئة ومتهالكة  لدرجة أنى ممتن لأبويا إلى الان انه ودانى وأنا عيل سينما التحرير فى الدقى أول ما فتحت عشان اشوف فى الحفلة الصباحية ليوم الجمعة فيلم بات مان فى تجربة كانت تعتبر أفشخ حاجه فى الدنيا ساعتها .

ظروف الوقت ده كانت صعبة ومع ذلك طلع منهم شغل ممتاز وغزير وباقى فى الذاكرة وساهم فى نحت وعينا ، صحيح التلاته دول شطبوا فى تقديرى  الشخصى على أخر التمانينات ، فيهم اللى مات وفيهم اللى راح هرب للفنتازيا أو اللى بطل شوية ورجع لكن مش بنفس مستواه ، لكن يعنى كانوا حيعملوا أيه ، ما البنى ادم الحساس ميقدرش يقاوم واقع بشع زى واقع مصر ويطلع منه بأمانة وصلابة سينما حلوة إلى مالا نهاية – هم بشر فى الاخر يعنى – قسوة الواقع وإنحطاطه خللوا الأستاذ رأفت الميهى بعد ما عمل فيلم”  للحب قصة اخيرة ” ميعملش الا فانتازيات مريرة لأنه مبقاش نافع يشتبك من أى منطقة تانية وخيرى بشارة على ما وصل مطلع التسعينيات كان أخره أنه يحاول يفرح ويفرحنا ويحسسنا إن الحياة ممكنة فيعمل كابوريا وأيس كريم فى جليم وعاطف الطيب عمل الهروب اللى مكنش أعظم حاجه وبعد كده عمل كان فيلم مش قد كده من وجهة نظرى بس قلبه مستحملش ومات مخطوف .

شغل الناس دى من مطلع التسعينات مبقاش بقوة ما سبقه وأنا الحقيقة عشان كده بأكن حب ومعزة خاصة لداوود عبد السيد لأن الواقع وقسوته مهزموش جواه الأمل اللى بيخللى المبدع قادرعلى مواصلة التأمل الصادق الشجاع ، الجيل ده كان تقيل اوى اوى وخط لنفسه مكانة استثائية محدش عارف يجيبها بعد ما يوسف شاهين تعطل بالكامل داخل استعراض إبتذال علاقته بذاته ، دحتى صلاح ابو سيف على سن ورمح لما جه فى الفترة دى وعمل فيلم البداية ومواطن مصرى كان يبدو وكأنه بيحاول يلحق بالشباب دول .

التلفزيون وجماهيره نصفوا الناس دى نسبيا بالرغم من تشبيح الرقابة ومدام اعتماد فى الدور العاشر وشيوخ فضائيات الخليج لأن الحلو حلو ولو كان قايم من النوم ، بس برضه الواحد بقى حاسس إن فى مستنقع الانحطاط اللى إحنا فيه ممكن الناس دى وشغلها الاستثنائى يتهضم حقه ، عشان كده الواحد بيطلع اللى جواه كواحد فرد من جمهور ممتن ، غياب محمد خان كان مناسبة للتعبير عن الامتنان ده ، لأن عاطف الطيب ماهو مات ورضوان الكاشف ماهو مات وخيرى بشارة ماهو بقى فى مهاجر الدنيا البعيدة وشغل الناس دى كلها بقى جزء من ماضى خلاص ، بس هو شغل وبمنتهى الامانة يظل محدش قادر يملى فراغه  مهما اتقال من حجج ، ومش حيتملى فراغه إلا بسينما لا تقل اشتباكا وشجاعة السينما بتاعة هؤلاء .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

أعتقد إن لولا المشاهد الخارجى اللى عملها محمد خان فى أفلام زى  ضربة شمس والحريف وخرج ولم يعد لربما كانت قاهرة مطلع التمانينات أتزيفت صورتها هى كمان زى القاهرة فى أزمنة تانية كتير ، بالظبط زى ما المشاهد الخارجى بتاعة كمال الشيخ فى فيلم حياة اوموت اللى لولاها لربما مكناش قدرنا نتخيل شكل قاهرة مطلع…

أترك تعليق