مشاهد من إنحطاط يفقدك الثقة فى المجموع

على هامش ذكريات المذابح الواحد عايز يفضفض و فى نفس الوقت يفكر بصوت عالى فى كلمتين كده ، واللى حقوله ده لا منهجى ولا نظرى بل كلام نابع من قناعات شخصية وانسانية وحدس واعتقادات مش على اسس مادية متماسكة.

انا بنى ادم ادعى ان عندى خبرة مش وحشة فى مصر وتجاربى فى الحياة كان فيها قدر معقول من السياحة الاجتماعية والطبقية خلتنى بنى ادم مش بيندهش بسهولة وعنده قدرة على تفهم بشاعات وغرابات وتناقضات كتير بيشوفها وبيتفاعل معاها ، وبالرغم من ان الواحد ياما شاف لكن كان عندى دايما يقين عقائدى غير مبرر ان المصريين بيتمتعوا بقدر عالى من الحكمة والرحمة والرشادة وبالتالى عندهم درجة ما من العمق الانسانى والحضارى ، الحكمة والرحمة دول مهماش نتاج صفات او ظروف حميدة بالضرورة او رقى انسانى اصيل بالعكس دول فى رايي نتاج الخوف والمشى ع الحبل والرغبة فى الحياة والصراع من اجل الحفاظ على توازن حرج داخل عوالم كلها على شعرة بحكم فقرها وطبقيتها وتكدسها وارتباكاتها القيمية .. بس فى النهاية كنت شايف ان فيه حكمه ورحمة موجودين بيمشوا المراكب ويعطلوا الطوفان ويعيدوا انتاج الرضا بأقل الخساير وان ده وضع على تكلسه وتبلده وخوفه لكنه احسن كتير من غيابه .. بمعنى اصح كنت مؤمن بالناس فى مصر كبشر عاقلة بالرغم من فقرها وجهلها وضيق عالمها.

حاجات كتير شفتها فى حياتى وتفاصيل ياما تثبت ده .. بس سياسيا مثلا و فى لحظة ذروة زى ثورة يناير تأملت فى حكمة ورشد الدولة ، النظام لما قتل الناس بالالاف فى 28 يناير فهم انه كده خلاص وان لازم مبارك يتراجع لان صعب بعد الدم ده النظام يعرف يكمل بالدرجة المقبولة من السلام الاجتماعى المطلوب وجوده ولما حصلت موقعة الجمل الجيش نفسه ادرك ان مبارك مستحيل يكمل لانه ببساطه معاه اتباع بياخدوا خطوات مش محسوب بالمرة نتايجها وعواقبها .. فى يوم موقعة الجمل مسقطش ضحايا كتير زى 28 يناير لكن اللى سقط تماما هو اخر رهان عقلانى على بنية النظام الموجودة و انه كان لازم يمشى بسرعة بقى.. كل اللى حصل ده كان ماشى مع يقينى وقناعاتى .

لكن الحقيقة بعد الثورة الموضوع اتغير ولانها ثورة فكان لازم يتغير، حاجات كتير فلتت تماما بالشكل اللى يخلينى افقد ثقتى فى رشد وحكمة الكتل الرئيسية فى مصر وانا هنا عايز افتكر كذا محطة عامة وشخصية فرقوا معايا وازاى ان مع تعثر الثورة المستمر الضربان والجنان الشرير زاد ، الثورة بالتعريف شيئ متطرف ومندفع لكن فى المقابل الثورة المضادة شيئ متطرف برضه ومندفع لكن شرير واخرق وغبى ، فالواحد هنا بيحاول يتذكر لقطات ومحطات مختلفة وعشوائية ومتفاوتة الأهمية قعدت تهز تدريجيا فى يقين الواحد لحد ما وصلت الى اللحظة البائسة الحالية .. طبعا كلنا شفنا حاجات مختلفة ومش كلنا بتأثر فينا نفس الحاجات بس الواحد بيتكلم على ذاكرته الشخصية

فى مارس 2011 اتخضيت من منظر الناس وهى بتحاول تضرب محمد البرادعى قصاد لجنة التصويت فى الاستفتاء بتاع تعديل الدستور ، صحيح محمد البرادعى كان جى بطابوره ومشايعيه اللى باين انهم مش من منطقة الزلزال فى المقطم لكن عدوانية الناس ضده كانت مخيفة جدا وزيادة فعلا ، لحظة بدأت ادرك فيها ان الغضب خام وموجود ومتوفر وممكن يروح فى اى اتجاه بدون منطق محدد ، بعدها بيومين لفت نظرى تصريح الشيخ الحيوان حسين يعقوب بأن اللى مش عاجبه نتيجة الاستفتاء يروح كندا ، هالنى أن الحيوان ده هو احد اهم رموز تياره فعلا وحتى لو هو حيوان فالمفروض يبقى فاهم قيمة كلامه وتأثيره لانه عارف قدر نفسه وتأثيرها وهالنى اكتر ان الاخوان مترعبوش من الكلام ده وكانوا بين التواطؤ والرضا بالصمت الا قلة منهم .

فى يونيو 2011 بفتح الفيسبوك لقيت صديق وزميل عمل سابق كان معانا فى ال 18 يوم ولحد اخر ابريل وكله حماس للثورة وفجأة لقيته بيتمنى فى صفحته على الفيسبوك ان قنبلة نووية تنزل على اعتصام التحرير وتشيل الميدان بللى فيه ، هالنى جدا تطرفه وتغير موقفه بسرعة جدا وهالنى اكثر ان الموضوع وصل معاه فى ظرف شهر وشوية للقنابل النووية ، شرطا انه انسان عاقل ومهذب ومتزن و متعلم ، وقعدت اقول لنفسى طب ليه كده .. ليه كده ؟

فى اكتوبر 2011 لما حصلت مذبحة ماسبيرو كنت مروح انا وتامر الميهى بالليل بعد ما نجينا من اعتداءات محتمله فى وسط البلد وبينما كنا على كوبرى اكتوبر كان فيه ناس بتحاول تولع فى المستشفى القبطى فى غمرة ساعتها تامر قاللى احنا النهاردة بقى عندنا سلطة ممكن تدهس تلاتين اربعين واحد بالدبابات ويروحوا بالليل يناموا عادى ، تانى يوم كان اللواء عادل عمارة بالبيريه الاخضر متحدثا بإسم المجلس العسكرى بيقول محصلش حاجه ومفيش حاجه ومعملناش حاجه وهم اللى ضربونا وفاكر ساعتها ان كان فيه صحفيه ست من جريدة قومية ما ولابسه طارحه وغلبانه غلب السنين مقدرتش تستحتمل كلامه وقعدت تصرخ وتحسبن فى وشه .

لقطة العباية ام كباسين .. عادة لما بيحصل موقف درامى متصور وواضح له دعوة بأجساد الستات كانت بتبقى توقعاتى ان الناس تسكت او تطرمخ او تحاول تقول اى تبرير مرتبك لو كانت مجبرة على ذلك اجبارا ، انما ايه اللى يخللى ناس تطوعا تقول على وسائل تواصل اجتماعى افتراضي ” ايه اللى وداها هناك ” وايه الشر والوساخة والايغال فى الرداءة اللى يخللى حد يطلع بفكرة زى بتاعة ان العباية بكباسين .. ليه ؟

فى 12 اكتوبر 2012 يوم جمعة كشف الحساب وانا بشوف الاخوان وجمهورهم فى التحرير مصرين يضربوا ويطردوا اى قوه تانيه لحد ما الموضوع اتطور للاشتباك فى الشوارع ، فى اللحظة دى كنت من البرود انى اروح الناحيتين وابص عشان افهم وشفت فى ناحية الاخوان شيوخ مسنين بيتكلموا عن ان انصار البرادعى الناحية التانيه معاهم رشاشات وسلاح الى واحنا لازم ندافع عن نفسنا وشفت الناحية التانية الناس وهى مستبسله فى انها متتطردش من الميدان لانهم لو اتضربوا واتهزموا ده معناه ان الاخوان المسلحين حيفتكوا بيهم بعد كده فى اى تجمع تانى بعد كده .. حرب اهليه رمزية .. حيث المكان واحد والارض واحده وميدان الاشتباك ميجيش كيلو متر مربع والاطراف عندها تصورات متوهمة تماما عن بعضها .. وعن نفسها طبعا .

من قبل 30 يونيو والواحد بقى فاهم ان فيه نكد كبير اوى اوى قادم عشان كده كنت مأهل نفسى نفسيا ومعنويا لتقبل وتحمل مشاهد قاسية وغير انسانية .. بس فاكر ان فيه مواطن صالح هالنى مكالمة تليفونيه منه مع وائل الابراشى قاله فيها ان عنده حل لفض اعتصام رابعة من غير ولا نقطة دم .. الابراشى رد بحماس وقاله طب قول قول .. قام قايله احنا نغرق الميدان مياه بالليل وبعدين نكهرب المياه.. فهمت لحظتها ان الموضوع بدأ يعدى مستويات تشاؤمى المعدة سلفا لكن فى يوم 14 اغسطس بالليل ومع ظهور صور جثث اللى ماتوا فى رابعة لقيت صورة على الفيسبوك لشاب راسه مفلوقه نصين ومخه طالع منها ولقيت مواطن تانى بيعلق على الصورة البشعة دى وبيقول .. ده الخروف فين فروته بقى ؟ .. التعليق ده خوفنى جدا وبجد وحسسنى بأنى غريب فى هذا المكان والاحساس ده زاد اكتر لما لقيت ناس بتشير صور علامة رابعة فلقيت على الناحية التانيه ناس بتسف على الشعار وده كان مفهوم ليا لكن اكتر سفة خضتنى كانت لواحد جايب شعار نادى بروسيا دورتموند BVB الاصفر والاسود فى تعبير صافى منه على الزهق اللا مكترث بالقصة ودى درجة اكثر قسوة فى نظرى من الشخص بتاع فين فروة الخروف .

الواحد كان بدأ يفهم ان حالة ما بعد رابعة حيبقى فيها انفلات نفسى غير عادى للنزعات الشاذة بشكل خالى من اى اعتذار .. طبعا انا فاهم ان غالبية الناس مش كده لكن النسبة الصغيرة اللى لقت مساحة تعبير وممارسة منفلته لامراضها كانت نسبة كافية جدا لتسميم المجتمع فى الحياة اليومية والتفاصيل الصغيرة التى لا تنتهى خاصة ان كتير من الناس دى بقت رموز عامة لعالم ما بعد 30 يونيو.. عشان كده انا اكتر حاجتين وصلونى لمرحلة ان المجتمع راح خلاص فى حته وحشة وان ما كنت اتخيله من حكمه ورشد ورحمة عند المصريين اصبحوا شيئ فى طى النسيان كانوا حادثتين ملهومش دعوة خالص بالسياسة .

الاولى لما شباب راحوا سانت كاترين وهبت عليهم عاصفة ثلجيه ومكنوش مستعدين ليها فماتوا متجمدين ، مش قادر انسى انى شفت وقريت تشفى وملامة مجانية فيهم ومحاولة وصمهم بأى شيئ واتهامهم بانهم السبب فى اللى حصلهم وان قطع لسان اللى يتكلم على تقصير فى انقاذهم من جانب الدولة .

الثانية لما وسائل التواصل الاجتماعى انتشر فيها كالنار فى الهشيم فيديو لمدرس او مربى فى ملجأ اطفال وهو بيعذب الاطفال تعذيب سادى ومدروس و تعالت نداءات بالمطالبة بإتخاذ اجراء حاسم ضده وازاى ان عبد الفتاح السيسى علق بنفسه على الموضوع وقال مفيش داعى ان الاعلام يركز على الجوانب السلبية فى المجتمع عشان الروح المعنوية متتهزش .. قال كده عادى جدا جدا .

الفضفضة الطويلة اللى ملهاش لازمة دى الواحد حب يعملها عشان يقول ان اصعب شيئ فى الدنيا ان الانسان امله يضعف فى الناس ، لان الامل فى الاول وفى الاخر شيئ جوانا مهواش شيئ مادى او موضوعى ، انما بما يرضى الله اللى حصل كتير برضه والتعافى منه عايز معجزة وتأسيس ومعرفش مين فيه حيل وقدره على انه يعمله .. الوضع صعب لدرجة ان الواحد دلوقتى لما بيشوف لقطة انسانية طبيعية جدا بقى بيفرح او بيحاول يفتكر الفرح .

** بوست فيسبوك غير محرر لغويا لأنه كان بغرض الفضفضة بالأساس 

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

على هامش ذكريات المذابح الواحد عايز يفضفض و فى نفس الوقت يفكر بصوت عالى فى كلمتين كده ، واللى حقوله ده لا منهجى ولا نظرى بل كلام نابع من قناعات شخصية وانسانية وحدس واعتقادات مش على اسس مادية متماسكة. انا بنى ادم ادعى ان عندى خبرة مش وحشة فى مصر وتجاربى فى الحياة كان فيها…

أترك تعليق