ثورة الشباب ضد دولة العواجيز .. تلك الأكذوبة اللعينة

فى إطار فتح الملفات القديمة / المعاصرة كانت تلح على دائما رغبة فى كتابة ملاحظة عن مسألة  ” دولة العواجيز ” التى طالما تم وضعها فى  مقابل فكرة ” شباب الثورة ” ، عن القدر العالى من التبسيط والإبتذال الذى صاحب هذه الثنائية ،  بل والمغامرة بالقول إنها كانت ثنائية مشبوهة ومغرضة  حتى ولو كان لها  بعض الجوانب الوجيهة عند بعض الناس ، لكن بداية أود أن أشير أننى كتبت جزء من هذه الملاحظة منذ حوالى 7 سنوت وقررت منذ أيام قليلة أن أعيد الاشتباك معها  فى ضوء مستجدات كتير حدثت خلال هذه الفترة الطويلة  .

بداية لو تحدثنا عن الجانب الوجيه من الفكرة  فيمكننا القول بأنها أتت من شرائح عمرية تبدأ من ما قبل العشرين وحتى أواخر التلاتينات  وقت  اندلاع ثورة يناير 2011 وبالتالى  كان يصح وصف هؤلاء الشباب للحكام بأنهم عواجيز عمرا وعقلا وروحا  بل ماهو حتى أكثر من ذلك  ، لكن من زاوية ثانية  يجب على الجميع عدم نسيان أن غالبية  من كانوا فى صدارة المشهد  الثورى ل ”  ثورة الشباب ” ليسوا من الشباب ، بل كانوا رجالا ونساء فى ذروة سنوات العطاء ، عندما  يكون عمرك  32 عاما عند إندلاع ثورة شعبية فأنت لست ” شابا ” خاصة لو كانت ” دولة العواجيز اليوليوية ”  وأصنامها المعبودة ومؤسسيها  قد وصلوا إلى سدة حكم مصر وتحكموا فى مخاليق ربنا ونيموا مصر والمصريين من المغرب و عمر أكبر واحد منهم لم يتعدى 34 عاما .

 كان تلك هى أعمار جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وزكريا محيي الدين وكان هؤلاء هم الأعلى رتبا والأكبر سنا بين الظباط الاحرار سنة 1952 ،  بل أن الملك فاروق نفسه حين تمت إزاحته عن عرشه كان عمره  وقتها 32 عاما فقط بعد أن قضى فى السلطة حوالى 16 سنة ، ومن ناحية أخرى كان حسن البنا وقت اغتياله يبلغ من العمر 42 سنة عاما فقط وذلك بعد مسيرة عمل سياسى وتنظيمى طويلة وثرية استمرت 20 عاما بدأت منذ وقت تأسيسه لجماعة الأخوان  سنة 1928 ، أى أن حسن البنا أسس الجماعة التى مثلت نقطة تحول  سياسية مهمة فى القرن العشرين وهو عمره 22 سنة.

بالتالى فإن الخطاب الذى تم صياغته وقت يناير 2011  وكان يتحدث عن  الشباب الصغير البريء الساذج  اللى مش فاهم حاجه  ، ذلك الشباب النقى من السياسة ودنسها ، الشباب الذى يكتشف العالم بعقل عذرى ومرشده الوحيد هو التجربة ،  كان بالفعل خطابا استفزازيا ولاسيما أنه صدر من أناس يقدسون رموزا  سبق و صنعت تاريخها وهم شباب فى نفس أعمارهم تقريبا بل ربما وهم أصغر منهم بكثير، كانت حالة فجة من التناقض الاستفزازى السخيف والذى حمل داخله جينات الدلع البرجوازى والخفة المصطنعة وقبل كل ذلك الهروب من المسؤوليات الكبيرة.

الجانب المبتذل و التلفيقى فى خطاب شباب الثورة Vs دولة العواجيز  كانت له بداياته المشبوهة ، أولها ان المقاربة تلك بدأت حيث بدأت من صنع الدولة نفسها  واجهزة إعلامها فى بداية الثورة ، أتذكر أن أول من استخدم لفظ ” ثورة شباب ”  كان محمد عبد السلام الخبير الأمنى ” الذكى ” والذى كان يعمل فى مركز الاهرام للدراسات الإستراتيجية وقد صك هذا المصطلح  يوم 25 يناير 2011 مساءا على القناة الأولى المصرية ، وقام بخلع صفة الشبابية على المشهد السياسى المتفجر ، وكان الغرض الواضح من وراء توصيفه هذا هو خلع صفات الطهرانية والنقاء على الحركة الشابة فى مقابل ” رجس السياسة وأصحاب الأجندات ”  الذين سيسعون للالتحاق بها ، وهو  المصطلح الذى دشنه اللواء عمر سليمان و استخدمه  بالنص واللفظ  بعد ذلك  بأيام قليلة .

أى أن غرض الدولة  كان منذ البداية هو احتواء الحركة وأخدها على قدر عقلها  ” البريء ” عبر استخدام ذلك التوصيف ، لأن الشباب الطاهر البرئ غير المسيس الخالى من الأجندات والأفكار والإنحيازات الأيديولوجية  بقدر ما نستطيع خلع عليه صفات البراءة والطهارة فى لحظة صعوده سنستطيع لاحقا فى لحظات تراجع حركته إن نصفه بالسذاجة وقلة الخبرة وأنه كان خاضعا للخداع والتضليل وصولا لتسميته بالطابور الخامس  ، وهذه هى بالظبط  هى جوهرأبوية دولة يوليو التى استسلم لها ابناء يناير الذين فرحوا بدور ” الأبناء ” فى السيناريو ، إما عن إنتهازيه أو استسهال ، أو محاولة تذاكى لوضع أقصى اليمين الاسلامى مع اقصى اليسار العلمانى فى سلة واحدة  اسمها شباب بتحب مصر ، أو ربما  خوفا و عجزا عن بلورة جادة واصيلة للإنحيازات  داخل الثورة عوضا عن خطاب أنا شاب ووطنى وابن حلال وابن ناس ومحل إجماع  ، والسعى نحو وسطية مستحيلة واعتبار ان الحل السياسى يكمن فى تشكيل حكومات للكفاءات والتكنوقراط بدون انحيازات واضحة  ويكون ملمحها الأساسى هو الشبابية طبعا ، كان ذلك بالطبع خوفا من خوض مواجهة سياسية كان لابد منها ،  وقد حدثت بالفعل وأصبح كثير من هؤلاء ” الشباب الطاهر ” نزيلا للمعتقلات والسجون .  .

استمراء البيزنس الخطابى التافه  تحت شعار ” الشباب .. الشباب .. الشباب ” و الاستثمار السياسى فيه بلا معنى خلق ضدا له فى المقابل  ، وهو خطاب فاشى مجنون معادى للشباب بالمجمل فى ظاهرة غير موجودة فى الدنيا كلها وكانت حالة مستمرة منذ منتصف 2013 ربما لأواخر 2016  ذلك أن هناك  جانب أخر لمسألة ” ثورة الشباب ” Vs ” دولة العواجيز ”  ، وهو إنكاره التام لوجود شريحة شابه كبيرة من الطبقة الوسطى كانت كارهة  لثورة يناير كراهية عمياء ، أما لأسباب تتعلق بالمصلحة الاجتماعية المباشرة ، إما ولإنها لم تجد نفسها داخل هذا الحراك الواسع ، فكان إنكار هذه الشريحة كما لو كانت هى والعدم سواء سببا فى تحول ناس منها إلى  أحط المواقع  داخل معسكر الثورة المضادة و حتى صاروا أشبه بالزومبى المعادى للحياة ولجيلهم وراحوا يتبنون  أفكارا يمينية فاشية بلا أمل أو جدوى ولا خلاق لها  حتى وقفوا على أعتاب ” دولة العواجيز ” فى إنتظار أى نفحة أو إشارة،  وليس هؤلاء الذين سموا نفسهم بالتنويريين الا عينة من هذه الحالة ، والذى وصل بيهم الحال من كراهية النفس والوجود والإنسان انهم  فى شتاء عام 2014 تشفوا مجانا فى شباب تجمدت أوصالهم وماتوا فى ثلوج  سانت كاترين  لمجرد أن بعضا من الضحايا كانوا محسوبين على ثورة يناير  .

صورة تجمع الرئيس التشيلى الحالى جابرييل بوريتش والقياديان اليساريان جورجيو جاكسون وكاميلا فاليخو

سنين كتيرة مرت وفى خلالها أفسح النظام الحالى المجال لكثير من ” الشباب ” كى يتخذوا مواقع قيادية داخل دولته ، لا يمكن حاليا وصف الدولة بإنها دولة عواجيز بالمرة ، ربما تكون الدولة الحالية هى الأكثر شبابا منذ خمسينيات القرن العشرين ، بل وكثير من هؤلاء الشباب هم أصغر سنا من الذين  كانوا يعتبرون أنفسهم شبابا عام 2011 ، شباب القادة الحاليين هم قادة رجعيين برؤى يمينية ذات ملامح فاشية ، ولا يرتجون من تسميتهم بالشباب سوى أن يساعدهم هذا المسمى فى إخفاء ميولهم اليمينية والرجعية تلك ، وهم فى ذلك يعيدون اللعبة مرة أخرى ولكن بصيغة أكثر صراحة وإنتهازية .

لكن على الجانب الأخر من الكرة الأرضية يتم انتخاب رئيس  جديد لجمهورية تشيلى عمره 35 سنة اسمه جابريال بوريتش ، كان بوريتش احد أبرز زعماء انتفاضة الطلبة فى تشيلى عام 2011 ،  ولكنه حين كان طالبا لم يكن يعرف نفسه بالقيادى الشاب ، والأن وبينما بوريتش عمره 35 عام ويتم إنتخابه كأحد أصغر الرؤساء فى تاريخ أمريكا اللاتينية ، مازال لا يعرف نفسه كشاب بل كرئيس إشتراكى راديكالى ، تم انتخابه بسبب خطه السياسى وصغر سنه  ليس إلا كان جزءا من حزمة جاذبيته لقطاعات متنوعة من الجمهور ، شباب بوريتش لم يكن هو حيثية وجوده .

يصاحب بوريتش فى المشهد السياسى المثير فى تشيلى  سياسية واعدة و نائبة برلمانية  اسمها كاميلا فاليخو ، كانت أيضا من قادة الانتفاضة الطلابية  عام 2011 ، كاميلا فاليخو سيدة رائعة الجمال بشكل استثنائى ،  هى ربما أجمل من أجمل نجمة ” ميديا ” فى مصر ، لكنها لم تظبط متلبسة أبدا تعرف بجنسها ونوعها و لا جمالها ولا عمرها الشاب الذى لم يتجاوز منتصف الثلاثينات ، كاميلا فاليخو تعرف  نفسها دوما و من البداية كقائدة يسارية ونائبة راديكالية وليس كمزة الثورة  ووردة فتحت فى جناين التحرير.

القصد الأخير من هذه الكتابة الممتدة فقراتها عبر سنين أن خطاب ” الشباب ” الذى كان ولا يزال سائدا فى مصر من مواقع متباينة ومتناقضة ، هو خطاب تافه وملعون ، خليط يجمع بين الاستصياع والتدليس ومعاداة السياسة ، وقت يناير 2011 تواطيء كى لا يأخد الأمور إلى حدها الصحيح فى لحظة ثورة ، فكان العقاب وخيم وأليم ، والغريب أن كثير من أبناء هذا العالم  الزائل مازالوا فى حالة تصابى نفسى وروحى  ومازالوا ينظرون إلى العالم من نفس الموقع بالظبط  بل و يصيغون مواقفهم العامة والخاصة من نفس ذات المكان واللحظة ،  بالرغم من أن كتير منهم صاروا كهولا بالفعل ،  ولا يسعنى هنا إلا أن أتذكر مقولة سمعتها من شخص حكيم وهى أن من المستحيل على الإنسان أن يظل طفلا إلى الأبد لكنه من الممكن أن يعيش بقية عمره داخل مراهقته  .

*** وأخيرا وبالنيابة عن نفسى وعن بعض أصدقائى ، أعتذر للفنان الأستاذ داوود عبد السيد .. اعتذارا عاما مفتوحا عن بعض ما لاقى من ردات فعل من بعض ((( الشباب )))  عند حديثه ذو الشجون عن حال السينما المصرية الان .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

فى إطار فتح الملفات القديمة / المعاصرة كانت تلح على دائما رغبة فى كتابة ملاحظة عن مسألة  ” دولة العواجيز ” التى طالما تم وضعها فى  مقابل فكرة ” شباب الثورة ” ، عن القدر العالى من التبسيط والإبتذال الذى صاحب هذه الثنائية ،  بل والمغامرة بالقول إنها كانت ثنائية مشبوهة ومغرضة  حتى ولو كان…

5 Comments

  1. الله ينور يا نعيم اقبل طلب الإضافة على الفيس بوك يا
    Mate

      1. لو ليا حظ واتنشر لى كتاب فى المستقبل بعد ١٠ سنين كده ولا حاجة بالتأكيد الاهداء هيكون ليك يا أستاذ نعيم
        😁

  2. تحلبل واقعى لكن لا تقارن شباب شيلى بالمصلجيه الذين افرزتهم للأسف ثورة يناير التى حولها الاخوان والمصلحجيه والمخبرين الىزوره افرزت لنا السيسى وتكاد تخنقنا

أترك تعليق