لمحات من أفغانستان الشيوعية ومصر الإسلامية

تأسست  دولة افغانستان ككيان مستقل فى القرن الثامن عشر بواسطة الإحتلال البريطانى فى الهند  وذكل بجعلها دولة مجال فى مواجهة روسيا القيصرية ، تم اقتطاعها من إيران ودولة القاجارالحاكمة فيها وتم دعم نبالات افغانية محلية للقيام بهذا الدور ، وصف كارل ماركس أفغانستان فى ذلك الوقت بأنها تلك الأمة التى تنشا احيانا بين الحرب والحرب ، وياله من وصف ثاقب مبكر بالفعل !!

 قصة افغانستان مع التحديث كان عنونها الرئيسى هو الفجوة المفزعة بين المدن و الريف ، فجوة لا يمكن تخيل عنف اتساعها ودلالاته ، كانت حواضر كابول وقندهار مصممة على نمط غربى حديث نسبيا وكانت محاطة بأرياف وجبال يسكنها فلاحين ورعاة يعيشون فى العصور ما قبل الوسطى ، كان سؤال النصف الثانى من القرن العشرين بين المثقفين المدينيين الأفغان هو متى وكيف سيتم تحديث ذلك الريف ووفقا لأى خطة وأى مشروع. 

كان مثقفى المدن معزولين إلى حد كبير عن البيئات الريفية حتى ولو كان لبعضهم بشكل شخصى امتدادات قبلية فيها ، كان الشيوعيين الأفغان أكثر الفئات المدينية تطرفا على مستوى أمال التحديث وخططه وجرأته ، حين أستولوا على السلطة  فيما سمى وقتها ب ” انقلاب ثور” عام 1978 والذين أطلقوا عليها بالطبع ثورة ثور ، استولى من بينهم على السلطة أكثر أجنحة ” حزب الشعب الديمقراطى ” تطرفا وكان يسمى جناح ” خلق ” وكان قوامه الأساسى من البشتون ذوى الأمتدادات الريفية ، وأقدم هذا الجناح على إقصاء اقصى هذا الجناح الأخر الأكثر اعتدالا و كان يسمى جناح ” برشمى ” وكان يدعو الى جبهة وطنية واسعة واصلاحات تدريجية وكان قوامه من الطاجيك والأوزبك وباقى الأقليات ، كان جناح خلق يدعو إلى ثورة عمالية وحكم الطبقة العاملة ” الأفغانية ” وليس أقل ، فى حين كان جناح برشمى يدعو إلى ثورة وطنية ديمقراطية أولا قبل الشروع فى الدخول فى مرحلة الثورة الإشتراكية !!

 جناح خلق الاكثر ” إحمرارا ” صمم على إجراء إصلاح زراعى عنيف وضرب لكل اشكال الأقطاع وعلى خطة طموحه لمحو الأمية ببرنامج الحزب عبر ممارسات ” ستالينية صافية ” سبق وأدانها الإتحاد السوفيتى نفسه حتى ان السوفيت كانوا غير راضين على خطط الخلقيين واعتبروها شديدة التطرف وغير تدريجية ، وما عمق الأزمة اكثر هو اًصرار جناح خلق على رفع سن زواج الأناث الى 18 عام وإلغاء المهور وتعليم البنات بشكل الزامى ، كل هذا دفعة واحدة .

 كانت لإجراءات حزب الشعب الديمقراطى من جناح خلق أثرا عنيفا فى الريف الأفغانى ففى حين أيدتها قطاعات ، لكن قطاعات اخرى عارضتها لأسباب محافظة ولا سيما وأنها مست بسلطة الملكيات الزراعية الكبيرة ، واتخذت المعارضة فى بعض المناطق بعدا طائفيا وقوميا واعتبرت الحكم الشيوعى استبدادا بشتونيا  خالصا ، فظهرت التمردات الأسلامية الأولى من وسط الأقليات بزعامة احمد شاه مسعود ” الطاجيكى ” !!

إتسم الحكم الشيوعى الأفغانى بالعنف الشديد والمفرط وتصور امكانية سحق أيا من كان حتى أن حفيظ الله امين اخمد انتفاضة فى مدينة حيرات منتصف عام 1979 بعد ان قتل ما لا يقل عن 30 الف شخص .. انتفاضة حيرات تلك اندلعت فى مواجهة كل من كان يرتدى قميص وبنطلون فى المدينة ليس لأن هذا ملبس الغربيين أو الشيوعيين بل لأن الزى الغربى هو رمز الطبقة والنخبة البشتونية الحاكمة .

 فشل التحديث اليسارى على كل حال حتى جر السوفيت جرا إلى افغانستان وأجبرهم على التدخل فى الشأن الأفغانى ” مرغمين ” بعد نجاح التمردات الريفية التقليدية الأسلامية على الحصول على دعم أمريكى سعودى مصرى  ثم دارات عجلة الحرب الأهلية بعدها ، اما البقية لها مجال أخر لذكرها ، لكن وجب التنويه فقط أن سقوط ما تبقى من النظام الشيوعى فى افغانستان كان على يد تحالف المجاهدين من غير البشتون بالأساس، لذا كان السلام الوطنى الأفغانى الجديد فى مرحلة ما بعد سقوط كابول  فى يد المجاهدين عنوانه الأساسى هو افغانستان الوطن متعدد القوميات والثقافات ، وفى عام 1996 عاد البشتون مرة أخرى الى السلطة ولكن عبر تنظيم حركة طالبان المؤسس باكستانيا  وبعد قتل وتصفية محمد نجيب الله اخر رئيس افغانى يسارى بشتونى وأحد اكثر زعماء افغانستان شعبية إلى الان .

الصورة لمانشيت جريدة الأهرام المصرية من ربيع سنة 1980

 ربما تكون هذه المعلومات جديدة على البعض ، لكن ما يهمنى هنا هو اسهامنا نحن فى هذه القصة ، فقد اسهامنا فى هذه القصة اسهاما حقيرا وتخريبيا من البداية .. منذ لحظة اعلان السادات دعمه للمجاهدين الأفغان وقيادته لمقاطعة اولمبياد موسكو عام 1980 ، كان السادات هو احد المسؤولين الاساسيين عن الأرهاب الجهادى لاحقا ، عبر قيامه بدور مورد الأنفار بالتمويل السعودى والتدريب الأمريكى ليلتحقوا بالمجاهدين الأفغان وقت أن كان صورتهم فى الأعلام الغربى ” عسل وسكر ” يحارب الألحاد الشيوعى من أجل الحريات .

الرئيس السادات .. السابق لعصره ، الذى يعتبر كثيريين داهية زمانه وقدوة سياسية ، كان أحد اسباب طالبان واشباهها من البداية، هو والمخابرات الباكستانية ونظام محمد ضياء الحق الاسلامى العسكرى فى باكستان ، كانت بئس صفقة حاولت فيها انظمة استبدادية اسلامية رجعية الحصول على رضا الحليف الأمريكى حتى لو كان ثمن هذا امنهم وامن بلادهم بل وحياتهم هم شخصيا بل وامن امريكا نفسها بعد عدة عقود قليلة كما حدث فى سبتمبر 2001 .

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

تأسست  دولة افغانستان ككيان مستقل فى القرن الثامن عشر بواسطة الإحتلال البريطانى فى الهند  وذكل بجعلها دولة مجال فى مواجهة روسيا القيصرية ، تم اقتطاعها من إيران ودولة القاجارالحاكمة فيها وتم دعم نبالات افغانية محلية للقيام بهذا الدور ، وصف كارل ماركس أفغانستان فى ذلك الوقت بأنها تلك الأمة التى تنشا احيانا بين الحرب والحرب…

أترك تعليق