يوم للأديان العجيبة

كان يوما حارا من أيام قيظ يناير ، نعم قيظ يناير ورطوبتها الخانقة ، فالمكان هو مدينة سيدنى فى استراليا  فى عام 2008 حيث يقضى الناس احتفالات رأس السنة على الشواطيء ويعوضون غياب الثلوج ” الأوروبية ” بكميات كبيرة من القطن الطبى فى البيوت وأماكن العمل ، فى نصف الكرة الجنوبى يكتب الأدباء عن ثلوج يوليو و جفاف فبراير فلا تتعجب فتلك هى ارادة الله .

فى هذا اليوم كانت الحرارة تقترب من الأربعين ونسبة الرطوبة تتخطى ال 80 % ، ربما من مميزات هذه البلاد هى تسامحها مع السير فى الشارع بأقل الملابس فى هذه الأجواء ، يومها كان على شراء احتياجات المنزل من المول القريب من بيتى ، يحتاج الأمر الى سير على الاقدام لنحو عشرين دقيقة، وفى تلك الأجواء احتمالات ضربات الشمس عالية فعلا ، كان الوصول للمول هدفا فى ذاته لأنه مكيف بشكل مثالى لكن طاقتى لم تحتمل الطريق وشعرت بعطش وجفاف وشديد ، وفى تلك البلاد لا توجد اكشاك على جانبى الشارع أو محلات مفتوحة لبيع اللاشيء أو بشر متناثرون بكثافة فى الطرق يمكنك طلب المدد منهم ، بل هى الخضرة الحية مع الوحشة الشديدة ، لم أجد امامى فى شارع ادجوارد دايفيس الا مبنى ” المحفل الماسونى بهورنسبى ” وكان على غير العادة مفتوح الأبواب والنوافذ والشرفات و يعج بالناس من كافة الأعمار .

عادة المحافل الماسونية تشعرك بالخصوصية والريبة وأنه لا مجال للاقتراب منها او دخولها بدون أذن أو دعوى ، لكن العطش والازدحام والأريحية الصيفية التى كانت مسيطرة على الاجواء جعلونى أحتمى  بظل المبنى ثم احاول البحث عن اى مصدر للمياه داخله وبالفعل دخلته بدون اى استئذان ثم هممت بالصعود إلى التراس المفتوح فى الطابق الثانى حيث يتوفر عصير برتقال مجانى معبأ فى حاويات كبيرة ، شربت منه حوالى ست أكواب بينما كنت اتبادل الابتسامات الكاذبة مع الحضور الكثيف ذو  الطابع العائلى ، بعدها غاردت المكان مرتويا مرتاحا لتنتهى رحلتى مع الماسونية ذات البرتقال المجانى .

ذهبت الى المول واشتريت ما أردت وقابلت جارى وصديقى الأيرانى أوميد ورجعنا معا حيث يسكن فى الشارع الموازى لشارعى وكانت حدة الشمس انكسرت قليلا توقفنا على ناصية شارعى حيث التقينا ثلاثة من اصدقائه أثنين منهم ايرانيين وواحد أسترالى ، حكيت لهم باستغراب عن تجربتى فى المحفل الماسونى فقال لى أحدهم أنه يتم استئجاره احيانا لحفلات اعياد الميلاد الكبيرة ، وكان هذا بداية حوار عن المعتقدات والممارسات الغريبة .

لم اكن اعرف ان اصدقاء أوميد الأيرانيين بهائيين وكذلك لم يعرف صديقهم الأسترالى من نكون جميعا فنحن جميعا بالنسبة أليه نحمل نفس الملامح وهو لا يميز العربية من الفارسية ، فافترض بداهة إننا جميعا من البهائيين الإيرانيين ، وهذا ما جعله أكثر راحة وحرية فى التساؤل بدهشة عن الطقوس الغريبة والمخيفة للمسلمين ، سألته بخبث عن أى طقس فيه بالتحديد ، أجاب أن للمسلمين طقس غريب ومخيف حيث يجتمعون بالملايين  فى مدينة بعيدة فى الصحراء العريبة اسمها ” ميكا ” ويرتدون جميعا ملابس بيضاء ويقومون بالدوران حول مكعب اسود بلا توقف كالنمل والنحل .

ابتسمنا جميعا  بخبث وأغلقنا الحوار بأن العالم واسع وفسيح وغريب وعجيب وغادركل منا الى بيته ، استرحت بعدها لمدة ساعتين ثم وجدت من يطرق باب المنزل وشاهدت من الشرفة شابين ذوى ملامح اوربية يرتديات قمصانا بيضاء وبناطيل قماشية سوداء ويقفا فى الحديقة الخلفية للمنزل ، فتحت الباب وأنا اعرف انهم من جماعة شهود يهوة ، عادة ما أطرد امثال هؤلاء فى التو ، فطائفة شهود يهوة هى الجماعة الدعوية الوحيدة فى الغرب التى تمتلك من الصفاقة والتنطع ما يجعلهم يقتحمون بيتك ليهدوك الى الصراط المستقيم بمنتهى التصميم.

كان مزاجى رائقا فاستدعيت كل طاقات النصب المصرية داخلى ، كان الشابين لا يتجاوزا العشرين ويبدون من ملاحهما البساطة والسذاجة الأسترالية ، استهلا الحوار بسؤالى إذا ما كنت سمعت فى يوم من الأيام عن شخص اسمه السيد المسيح ، قلت لهم نعم أعرفه بل وأعرف عائلته ولكن هل تعرفونه انتم ، ثم بدأت فى اقناعهم أننى من فلسطين من قرية مجاورة للناصرة وبقية عائلتى فى بيت لحم وأن هناك روابط عائلية واسرية مع عائلة النجار وطائفة النجارين التى لها علاقات نسب مع أسرة يسوع الناصرى ، وأوغلت فى الأفك والاكاذيب الاستشراقية المعقدة بمنتهى الثقة واليقين جعلت الشابين فى حالة من الذهول كسرتها بقولى بأنه ربما نحتاج الى لقاء اخر لأحكى لكما عن سر و مكان رفات حوت يونس .

 

اشترك فى القائمة البريدية

أقرأ سياسة الخصوصية الخاصة بنا لمزيدا من المعلومات

كان يوما حارا من أيام قيظ يناير ، نعم قيظ يناير ورطوبتها الخانقة ، فالمكان هو مدينة سيدنى فى استراليا  فى عام 2008 حيث يقضى الناس احتفالات رأس السنة على الشواطيء ويعوضون غياب الثلوج ” الأوروبية ” بكميات كبيرة من القطن الطبى فى البيوت وأماكن العمل ، فى نصف الكرة الجنوبى يكتب الأدباء عن ثلوج…

أترك تعليق